مارك إبسكوبوس
ترجمة: أنيس الصفار
أبلغ «يائير لبيد» زعيم حزب «هناك مستقبل» الرئيس الاسرائيلي «ريوفين ريفلين» بأنه قد وفق في تشكيل تحالف حاكم جديد لإزاحة رئيس الوزراء الحالي «بنيامين نتانياهو». ضم هذا التحالف المؤقت فصائل من اجنحة يسارية ويمينية بالاضافة الى حزب اسلامي صغير، أما ما يؤلف بين اطراف هذه الجماعة المتنافرة فليس الرؤية السياسية بقدر ما هو التوحد في معارضة نتانياهو. يعود جزء غير يسير من الفضل في اخراج نتانياهو من منصبه الى جهود «نافتالي بينيت» القومي المتحمس والحليف السابق لنتانياهو الذي اعلن انفصاله عن رئيس الوزراء في اواخر شهر أيار ما أدى الى تصدع القاعدة المحافظة الداعمة له.
سنوات حكم نتانياهو الاثنتي عشرة قد قاربت الانتهاء، اللهم إلا أن تشهد الايام المقبلة تطورات كبرى جديدة. هذه الانباء ربما ستستقبل بارتياح من قبل ادارة بايدن التي كانت تواجه صعوبة في الابقاء على علاقاتها الودية مع السياسي الاسرائيلي العتيق. كانت العلاقات بين الرئيس السابق أوباما ونتانياهو تتسم بالازدراء المتبادل، وقد بقيت آثار هذه التوترات وتفاقمت في عهد خلفه الديمقراطي. تنقل التقارير عن نتانياهو قوله: إن بينيت لن يقوى على الثبات امام بايدن وانه سيذعن لمطالب واشنطن اذا ما طلبت منه وقف نشاط الاستيطان في الضفة
الغربية.
لم يضع المسؤولون في ادارة بايدن الوقت فراحوا ينسقون لحملة نشطة من اللقاءات مع أبرز خصوم نتانياهو المهمين، ومن بينهم «بيني غانتز» ولبيد. من جانبها تسعى حكومة «ما بعد نتانياهو» الى اصلاح العلاقات مع الحزب الديمقراطي، مع محاولة الاحتفاظ بما تحقق لنتانياهو من نجاحات مع الحزب الجمهوري خلال فترة رئاسة ترامب.
ليس واضحاً بعد إن كان رحيل نتانياهو سيزيد واشنطن واسرائيل تقارباً لتصفية الركام المتجمع من الخلافات السياسية الكبيرة، فبينيت لم تظهر لغاية الان اية دلائل تنم عن رغبته في التفاوض بشأن المستوطنات، خلافاً لما كان يتوقعه نتانياهو ويحذر منه، بل تذهب التقارير حد الادعاء بأن بينيت قطع وعداً بألا يكون هناك اي تجميد للمستوطنات.
بينيت سوف يواجه ضغوطاً بخصوص المستوطنات من جانب شركائه في التحالف اصحاب التوجه اليساري، ولكن علينا ان ننتظر لنرى ان كان لهؤلاء ما يكفي من الثقل السياسي لاجبار رئيس الوزراء المنتظر على احداث تغييرات سياسية ملموسة. باستثناء القلق المباشر المتعلق بالمستوطنات تبقى التوقعات بشأن التوصل الى حل أكثر استقراراً وأوسع مدى لقضية الدولة الفلسطينية قاتمة للغاية في عهد ما بعد نتانياهو. بل ان بينيت أشدّ تصلباً من نتانياهو في معارضته، لا لحل الدولتين فقط بل حتى لمنح الفلسطينيين وضع الدولة بأي شكل من
الاشكال.
من المبكر الجزم الآن إن كانت صفقة إيران النووية ستشهد ربيعاً اخضر، بيد أن معارضة نتانياهو الشرسة للصفقة كانت احدى ابرز بصماته على المشهد السياسي. ثمة مؤشرات حذرة هنا تنبئ بأن الحكومة الجديدة سوف تخفف الوطأة في هذا الجانب، فنتانياهو كان مستعداً لخوض معارك مع واشنطن بسبب الموقف السياسي تجاه إيران، مقابل ذلك تبدي الحكومة الجديدة حماساً أضعف لتحدي البيت الأبيض علناً بخصوص واحد من اهداف بايدن الأساسية في السياسة الخارجية. قد يواصل بينيت وحلفاؤه توجيه الانتقادات للصفقة التي يعارضها قطاع كبير من الاسرائيليين، بل لعلهم الاغلبية الحاسمة وفق بعض التقديرات. تلك الجهود قد يستغلها نتانياهو، الذي لا يزال يتمتع بشعبية واسعة في الاوساط السياسية الاسرائيلية، الى جانب عزمه على شن حملات من بين صفوف المعارضة لرفض التطبيع مع
إيران. الضغط الثابت من جانب واشنطن، وكذلك بعض الشركاء المعينين في التحالف، قد يجعلان المسرح ممهداً لتجديد الصفقة، ولو ان الكثير سيبقى معتمداً على الديناميكيات الداخلية التي توجه حكومة قوامها تحالف قلق التركيب عميق
الانقسامات.
خروج نتانياهو ربما سيرفع غمامة الشحناء الشخصية بين اسرائيل والبيت الابيض، لكن الشؤون السياسية المهمة التي تنيخ بثقلها على العلاقة الاسرائيلية الأميركية لا تزال مثل جرح مستمر بالتقيح دون حل يلوح على مد البصر. رغم هذا يؤشر الخلاف بشأن فلسطين وإيران وجود بقعة داكنة اكبر في الافق، لأن بايدن يواجه الان ضغوطاً من جيل جديد من المشرعين الديمقراطيين الذين يطالبون بإجراء مراجعة جذرية واسعة للعلاقة الخاصة بين الولايات المتحدة واسرائيل، إن لم يكن التخلي عنها كلياً، تلك العلاقة التي بقيت تنعم بالدعم من الحزبين منذ أعوام الستينات. هؤلاء المشرعون، الذين يضمون بين صفوفهم المتنامية العدد ممثلين مثل رشيدة طليب وإلهان عمر و»الكساندرا أوكازيو كورتيز»، يعكسون الاجماع المتزايد لدى الفكر التقدمي الأميركي على ان اسرائيل دولة فصل عنصري قامت من الاساس على القمع الممنهج والاستغلال والتطهير العرقي للفلسطينيين. مشاعر انتقاد اسرائيل وتوجيه اللوم الحاد اليها كانت على مدى العقود الماضية تمثل موقفاً هامشياً، لكنها تغلغلت الى أن صارت اليوم تظهر في الخطاب العام وتحولت بشكل متزايد الى قوة محركة للجدل السياسي في واشنطن. فقد اطلقت صفقة ادارة بايدن الاخيرة مع اسرائيل، التي تم الاتفاق بموجبها على بيع الأخيرة اسلحة بمبلغ 735 مليون دولار، شرارة الغضب بين عشرات الديمقراطيين كما عبر النائب الجمهوري «يواكيم كاسترو» عن قلقه بشأن «توقيت ابرام صفقة بيع السلاح هذه» وتساءل عن الرسالة التي ستحملها الصفقة الى اسرائيل والعالم بشأن جدية وقف اطلاق النار والأسئلة المفتوحة، بشأن شرعية الضربات العسكرية الاسرائيلية التي أدت الى قتل المدنيين في
غزة.
عن موقع «ذي ناشنال إنتريست»