غيث الدباغ
تعدّ التكنولوجيا اللغة الحديثة والسريعة الاساسية للتواصل، وترتبط ارتباطاً قوياً بأنثروبولوجيا الانسان من الناحية المجتمعية وطريقة بناء المجتمع وسلوكياته التي تختلف من منطقة الى اخرى حسب المستوى الثقافي والوعي الادراكي.
حيث للتكنولوجيا آثار حميدة في استثمار الجهد البشري والزمن والمعرفة في انجاز العمل وتقديم المعرفة ونشر العلم والانفتاح على الشعوب والثقافات الاخرى، فأسهمت بتلبية رغبة الانسان للانفتاح والتعرف على العالم وما يدور حوله، فضلاً عن تبادل الآراء والنظرات والحلول وتطوير العلوم ووسائل التعليم، وكذلك أسهمت بشكل كبير في تطوير العمل المؤسساتي وكيفية الادارة والسيطرة على نظم المعلومات من خلال الحوكمة الالكترونية.
الى ان تطورت التكنولوجيا ووصلت الى المرحلة التي صار فيها من الواجب الالتفات والبحث والتمحيص في اثرها، خصوصاً بعد اطلاق حزمة مواقع التواصل الاجتماعي التي صار مستخدموها بالمليارات وجعلت البعيد قريبا وبالعكس ايضاً، دعماً لتقارب العلاقات بين الشعوب ولكن هذه المواقع قلّلت التواصل بين الافراد بسبب الاعتماد على الهواتف النقالة والانترنت والذكاء الاصطناعي، حتى وصلت لدرجة الادمان وسبّبت الكثير من الامراض النفسية والتوحد والمفاصل، كما انها غيّرت مفهوم الترابط الاسري والمجتمعي القائم على الانسجام والعون الى العزلة عن الافراد، حتى غيّرت طرائق الحب والمعيشة واستفحلت ظاهرة العنف بين الافراد نتيجة العزلة عن العالم الواقعي، وتبدّل وعي الانسان واثّرت ايضا في العقل البشري من خلال تقليل قدراته بالاعتماد المتزايد على التكنولوجيا، فانخفضت مستويات المهارة حيث تعوّد الانسان على الاتكال وسرعة التكنولوجيا كما ازدادت نسب البطالة بسبب ازدياد استخدام التكنولوجيا في مجالات الصناعة والزراعة، مما أدى إلى الاستغناء عن بعض جهود الإنسان وجعلت هنالك تفاوتا في النمو الاقتصادي، من خلال انخفاض اجور العمال وزيادة دخل أصحاب راس المال وادخال المجتمعات في انماط الاستهلاك الحديثة، فهذا التطور ادى الى ما يعرف (بالغزو التكنولوجي) الاقتصادي والثقافي والاجتماعي والسياسي.
لذا من الضرورة جدولة آلية خاصة باستخدام التكنولوجيا المبنية على مقدار الحاجة الفعلية لها، خاصة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يجب ان يتم وضع شروط السلامة الفكرية والثقافية والحضارية من قبل هيئة الاتصالات، بالتعاون مع وزارة الثقافة والسياحة للسيطرة على المواد التي يتم عرضها وتناولها في هذه المواقع، لكي تكون التكنولوجيا في بلدنا العزيز مستخدمة وفق قانون وجدول تنظيمي وليس عبثيا.