علي كريم خضير
كثيراً مايدور الحديث عن هيبة الدولة في الأروقة السياسية والإعلامية، وأول ماتشير أصابعُ الاتهام إلى ظاهرة السلاح المنفلت في الأوساط الشعبية في عراقنا اليوم.
وكأنَّ السلاح المنفلت هو الآفةُ الوحيدة في عدم فرض القانون بين الناس.
ولاشك أنَّ هذا الداءَ العقيم يعدُّ أعضل داءٍ قد أصاب المجتمع العراقي، وعاد به القهقرى إلى الوراء، بعد أنْ تنفَّس الصُّعداء من طاغوتٍ جثمَ على صدّره طيلة خمسة وثلاثين عاماً في عناءٍ متواصل.
لكن الحقيقة لا تقتصر على هذا التوصيف الجزئي في إدراك المُشكل الصَّاعد في نسقِ الحياة اليومية التي يعيشها العراقيون بأجمعهم.
ومن الهراء أنْ يفتعل بعض الأفراد موضوعةَ كبّتِ الحريات، ويصفون النظام الحالي بممارسة تكميمِ الأفواه، وإسكات الأصوات الوطنية المجاهرة بالحق
والعدل.
بل أن ما نراهُ هو العكس.
إذ إن الإفراطَ في المطالبات، وتعميمِ القضايا الجزئية يشكّلُ عاملاً كبيراً في إثارة الفوضى، وعدم استقرار البلد.
ناهيك عمَّا يجري من انتهاك للقوانين النافذة في وضح النهار، ومن مختلف طبقات المجتمع التي تمارس العمل الحكومي والخاص.
الأمر الذي يضعُ الجميع في دائرة المساءلة، ويحكم على أعمالهم بالفشل الذريع بسبب التعامل مع القضايا الإجرائية بطريقةٍ غير حضارية، وغير قائمة على سياقات قانونية ثابتة.
وإذا كان مبدأ القوة يُصنّفُ إلى قوتين، احداهما ماديّة مجرَّدة تفرض هيمنتها علانيةً.
والأُخرى فكرية تتغلغل إلى جسد الأمة خلسةً، فتحيلها إلى جثّةٍ هامدة غير قادرة على التَّصدي، والدفاع عن نفسها في أبسط الظروف وأيسر الأحوال.
فليس بدعاً أنْ نحدّدَ خطورةَ الموقف الآني في هذا التمزّق الفكري، الذي بدّدَ أوصال المجتمع العراقي، وأناخَ بكَلْكَلهِ على هذا الوطن الجريح، وعمّق هوة الخلافات الإثنيَّة والقوميَّة والمذهبيّة، فأصبحت كلُّ فرقةٍ تنشدُّ إلى مصالحها الخاصَّة، وتتّهم الأُخرى في وطنيتها، وترى في صورتها مايستحسنهُ الناظر، حتى غدوا سلعةً تتلاقفُها الأيادي الدخيلة والأفكار الضَّالة - بعد أنْ أعيتْ شوكتُنا الخصوم - وهوى ذلك الشعور الوطني الخلّاق الذي تغنّت بحبِّه حناجرُ الشعراء، وأقلامُ الأُدباء، إذ تقول:
بلادي وإنْ جارتْ عليَّ عزيزةٌ
وأهلي وإنْ شحُّوا عليّ كِرامُ