سحر الأهوار وجماليات الرموز

ثقافة 2021/06/29
...

 ناجح المعموري
الأهوار مائيات حافظة لخزان مرويات مقترنة بالمواسم والفصول وحيوات ثابتة المتغيرات فيها قليلة، وبسيطة. إنها سرديات الأمكنة التي تتوالد ولها خصائص كثيرة، كل جماعة من الكثيرين لها ذاكرة خاصة خازنة لمروياتها التي ابتكرتها الما قبل وصارت إرثاً لما بعد. وهذه الصلة الوثيقة بين الما قبل والما بعد تمنح حضوراً دائماً تغذيه الأفراد وتعطيه روحاً ليست جديدة كلياً بل هي حاضنة لروح كانت وظلت بطاقتها الممنوحة لها.
ليس من الماء بل من كل موجودات الأهوار من الكائنات الحية التي لا تفارق الأمكنة ولا تبتعد عن بعضها البعض، وكأنها راضية بما خلقت التواريخ من العلاقات في ما بينها . فالديمومة خاصية لهذه الأمكنة، لأن الماء باق فيها، انبثق منها وزحف اليها ونزل اليها مغذياً حاضرات الأهوار بتنوع الألوان الممنوحة لها عبر المواسم والفصول. ظلت حياة هذه الجغرافية عامرة منذ لحظة الالهة البدئية والتي غذتها الأساطير وازدهت بها الطقوس وسحريات مرتبطة بالماء، هو ماء الإله آنو الذي انتجت عنه سومر أجمل نصوصها الأسطورية ووصفته بماء القلب مكان معشوق بغزارة أساطيره
وشعائره.
كتاب «سحر الأهوار» قراءة فنية جمالية للفن التشكيلي العراقي للأستاذ وعد عدنان محمود أحد المصادر المهمة التي ستظل بالذاكرة الثقافية، خازنة منها عناصرها التي ضفرت كل ما عرفته الأهوار من تنوعات، تغذت  بذكاء الفنان التي تزينت بإنجازات المبدعين
العراقيين. 
يضيء هذا المصدر الحيوي العلاقة الثنائية بين المكان والفن والدور الذي لعبه الفن في توثيق حياة الانسان مع الماء الذي منح الفضاء جماليات غير معطلة، بل متحركة نحو سيرورة جديدة، تخترق التواريخ والأزمنة، من خلال تنوعات التاريخ الفني وتنوع الاسماء المانحة حضوراً دائماً. 
فالحياة هي سحر الأهوار وموجوداتها تضفي بهاء عليها وجمالاً مستمراً، لا يتعطل وأبرز ما يثير الانتباه استمرارية الجمال والدهشة التي تعيشها الأفراد وتأخذ من المكان ما يغذي كينونة الكائن ويجعلها مغذية وقابلة بالتعالق بين الكائنات الحية التي اشتركت في وجودها وتفاصيل حياتها المغذية لروح المكان، المانحة له خصوبة
أبدية.
هذا مصدر فني غير مسبوق، تمظهر عن جهد متنوع في كشف الخبرات والمهارات ونجح في بث العديد من الرسائل حول فضاءات مائية، ابتكرت وسائلها من البقاء والحفاظ على ما فيها وتدعو بمواسم خاصة، وجديدة لكائنات حتى تعد وتسجل حضورها بعد غياب.
للوثيقة وعناصرها اللونية طاقة فاعلة في توصيف المكان ومنحه جمالاً خلاقاً وقوياً. ولعب الفن التشكيلي تخليقاً بألوان متعددة لحياة الأهوار اليومية، حتى كادت تقترب من الفوتوغراف وتبدّت التفاصيل اليومية متجاورة بين المألوف والمتخيّل، حتى أوشك التماثل أن يبتكر جمالاً مدهشاً ويغذي الابداعات بالشعرية التي لن تغيب.
المهم في هذا الكتاب الذي صار مغذياً لجماليات الفن المعروفة عبر تاريخ طويل وكرس الروح الحية لسومر العظيمة التي استعادت ذاكرتها بوسائل عديدة وكثيرة واستدعاء الأهوار يتمظهر عن ايقاظ ذاكرة الماء والانبعاث وتجديد الحياة والخصب المعبر عنها من خلال علامات واشارات ابتكرتها بيئة الأهوار وغذتها التداولات وجعلت من الرموز منها عناصر مرويات للماء والطاقة التي تفيض بها الأماكن/ الأكواخ، المحفزة للطاقة.
الولع بالبيئة والانهمام بمكوناتها، منحت الفنان عشقاً مثيراً، زود المكان بالتنوعات، تعبيراً عن وجود الامكانات التي وظفت الفنون المتاحة للتعبير عن الاهوار. فكان التشكيل وابداعات أهم الأسماء المعروفة بالوسط، الحاضرة والغائبة وأيضاً ما أداه الفوتوغراف وتقديم وثائق حية عن حضور مهم للفنان فائق حسن وهو يبتكر علاقة له مع الأماكن خارج المدينة وأضفى عليها جمالاً وحضوراً لا يقوى الزمن على تغييب مثل هذا الفنان
 العظيم.
المثير جداً في التنوعات استحضار الابتكارات الفنية السومرية بوصفها شبكات رمزية وحياة يومية، وقدمت توصيفاً عن طقوس وشعائر وسحريات لها شعرية متسامية.