هزائم لم يعرفها قروي

ثقافة 2021/06/30
...

 الحسين بن خليل 
 
أتهرّب: كعنق الريف وهو يكاد 
ينفلت من مئذنة المدينة.. 
مكبرات الصوت 
خالية من -هفهفة- النوايا على رأس 
النخيل.. حين يدفع بها الريح 
ومرآتي أسفنجة تراب 
تمتص الملامح متى ما نزفت الجادة 
أتهرّب: 
كمشط عجوز تمر بين أسنانه 
صراخات أزقة مكتظة
وهو يرخي لها اسماعه 
من دون افصاح عن ضجر لم يعده 
العمر القديم. 
كم يلزم؟ 
لرأس بدائي فهم الثورة بمنظار أزرق 
أو سماع الهتافات ليس من أعلى شجرة شائخة 
أو أن ينحني كأبيه 
على عكاز معقوفة ذكرياته امام عينيه. 
كم يلزم؟ لرئة 
أن تشرب القصص العفوية 
على ضفاف يحجبها القصب عن الحضارة 
أو جوع لتائه يسد رمقه الحقل أمام عيون جدتي 
وهي تلصق وجهها بقعر الساقية 
خجلة من مضايف القرى 
أنى لعجوز رؤية جذع مائل 
وهو رغم الثقل 
يتطاول مع قنطرة يافعة. 
أنى لجدة 
أن تعترف بعزف 
ضحكتها بلا وسادة من (خوص).
هذا الفقد حضاريّ أيها السمين 
خبثك.. عهرك.. حتى حقدك لم يعد 
دفينا كما (عربيد الچتف) 
تتعرى مواويلك 
تأخذ موضع السجود مؤخرة الأقاويل 
 ثم تمد يدها للأسماع 
وأنت تستأنس بفحيح الأفاعي 
هكذا أتهرّب 
كالتاريخ حين يتخلى عن حلقة الوصل 
أو عن جذور القبيلة 
حين لا تفتخر بالمنفلتين 
أتهرب من موسوعة الاكاذيب 
وأتلفت.. كعنق زجاجة خمر 
تخشى رجالات مخمورين قبل الوشاية 
كقلب خطيئة 
يتسارع الذنب في شرايينها 
رغم اتساع نفوذها بين فضلاء حداثويين 
أتهرب كبيت من كوخ خشبي 
أو كقصر من بيت طين 
أتهرّب.. أتهرّب.. أتهرّب
أتهرّب.. ولا أحد يعيدني لمسقط رأس 
أفقده وأنا فيه