تمثيلات الحياة في شعر رعد زامل.. حوار بلغة السكين- أنموذجا-

ثقافة 2021/07/01
...

  حسن الكعبي 
 
تتميز الملفوظات النصية للشاعر رعد زامل والمبثوثة في الأعمال الشعرية للفترة الممتدة بين (1999 - 2019) والصادرة عن دار سطور لعام 2020 في طبعتها الأولى، بانفتاح متخيلاتها على تمثيل الحياة واستدراج تفاصيلها داخل النص من دون ان يفقد النص تجسداته الجمالية وهو يقيم حواريته مع الحياة ووقائعها المأساوية التي تظهر ضمن الاطار النصي او العتبة النصية التي يأصلها الشاعر بوصفها المدخل الذي ستهيمن مفرداته على نصوص الاعمال الشعرية. 
فالنصوص برمتها تخضع لمزاج دلالات العتبة في اشاراتها الى ان الحياة هي مأوى لليتامى سواء أكانوا يتامى حرب او يتامى طغيان السلطة السياسية او الطغيان الاجتماعي او الاقتصادي، بمعنى ان النصوص الشعرية بتمثيلاتها المختلفة لمفردات الحياة تمتد بجذورها لسلطة العتبة النصية الموقعة باسم الشاعر في سياق الدلالة على واقعية تجربة الحياة في تمثيلات النصوص
 الشعرية.
إن تجربة الشاعر الحياتية تظهر بكامل عدتها المأساوية ضمن نصوص اعماله الشعرية، لكن مسرودته الشعرية (حوار بلغة السكين) والتي سنتخذها أنموذجا على تمثيل الحياة تختبر أفقا آخر من الحياة يتعدى حدود التجربة الشخصية الى تجربة الشراكة الجماعية، بمعنى انها تجربة لا يمكن التشكيك بها او نكرانها، لكونها تجربة متواترة ضمن الرقعة الاجتماعية التي يمثلها الشاعر في مسرودته، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن هذه المسرودة هي التبرير الأمثل للشاعر في سياق اخضاع النصوص للمزاج المأساوي والرد على اي اتهام نقدي يحاول أن يسم تجربة الشاعر بالتشاؤمية التي تتهرب من الاشتباك بالحياة وتمثيل وقائعها، ففي سياق الاقتران النقدي مع هذا النص وتفكيك شفراته سيكون الشاعر ممثلا أمينا  لتجربة الحياة. 
حوار بلغة السكين.. التمثيل الجماعي للحياة
ينفتح نص حوار بلغة السكين على حوارية بين محقق ومتهم بارتباطه بالحياة ومفرداتها، وتتخذ مفردات الاتهام طابعا تعميما للدلالة على الطابع الجماعي للارتباط بهذه المفردات (تربطك مع الأشجارعلاقة مشبوهة) وتتصاعد وتيرة الحوارية الاتهامية في سياقها التعميمي ضمن مفردات (تحريض الطيور على التمرد والانهار على الثورة  والعثور على سر يمت الى
الهور بموجة).
هذه المفردات الاتهامية تنتقل من كونها الفردي إلى الكون الجماعي بوصفها مفردات للارتباط بالمجتمع البشري ومع تصاعدية هذه الحوارية تتأكد مقصديات الشاعر في التمثيل الجماعي (بريء لا غصن يربطني بها/ ثَبت في التقرير/ ان دمك أخضر!/ يوم حاصرتموني أكلتُ/ من العشب/ فاخضوضر دمي/ فلماذا تحرض الطيور على التمرد؟/ والأنهار على الثورة؟/ بعينيك قد عثرنا على/ سر يمت إلى/ الأهوار بموجة/ وتحت المجهر/ هذا دمك فيه/ من الرفض ألف قطرة/ لم تشتم السلطان في الأحلام؟/ بريء ولدتُ/ أبكم لثامي الصمت/ ودائي فقر الكلام/ لدينا أدلة قاطعة مثل سكين/ صرخة الولادة مثلا/ أليست احتجاجا ضد الدولة/ سيرك في الليل/ نائما ألا يثير غبار الأسئلة؟/ هذا الشيب الممتد/ كحقل القطن/ على وجهك ألا يعني مؤامرة؟/ بالأمس. 
قرب النهر/ لمحكَ المخبرُ السري/ وأنت تسبحُ ضد التيار/ واليوم في المقهى/ ذرفتَ الكثير من الصمت/ مخبرنا السري/ والذي بأنفه يقتفي أثرك/ لم يجدك ضاحكا قط/ فمن جيبك تنبعث/ رائحة عصافير ميتة/ وفي رأسك تنمو/ أزهار غريبة/ وقد حان موعد/ قطافها مع
الرأس).
إن السياق الانكاري لمفردات الاتهام يؤكد طابع الارتباط بالحياة ومفرداتها، فالشاعر يلجأ الى ألعاب التورية وذلك من خلال اظهار الشيء وتحفيز نقيضه، فكلما أوغل الشاعر بالانكار يتأكد النقيض بالادلة التي يسوقها المحقق، وهذا ما يتأكد ضمن خاتمة النص (وفي رأسك تنمو/ أزهار غريبة/ وقد حان موعد/ قطافها مع الرأس) بمعنى ان الاطمئنان لا يتحقق لهذه السلطة الطغيانية التي يمثلها المحقق، إلا من خلال وأد الحياة المرتبطة بافكار المجتمع الذي مثل له الشاعر بصيغة فردية، وبذلك فإن نص حوار بلغة السكين يرتقي الى مستويات ملحمية عبر التمثيل الجماعي لمفردات الحياة التي برع الشاعر باختيارها وتوظيفها ضمن هذا النص المذهل.