تسريد الشعر

ثقافة 2021/07/04
...

   محمد يونس
 
أقرأ الكثير من القصائد على الصفحات والمواقع والصحف ايضا كما قرأت ايضا في تراثنا الشعري، وصراحة احيانا يصعب علي إحصاء ما اسميه - تسريد الشعر- فالمستهل إذا بدأ بفعل سردي قوض ما بعده وحدد معناه، ولدي نصيحة لكتّاب قصيدة النثر وهم كثر أن يقدم الجملة الاسمية ويؤخر الجملة الفعلية، كي يتجنب أن يستهل شعره بفعل سردي مستعار من الجار الادبي، والجملة الاسمية مكانة معنى تأويليا في تعدد سيمائي، بينما الجملة الفعلية السارية ومباشرة، وسترد في المقالة نماذج شعرية كوجه استدلال ودعم للفكرة، فالفكرة هي اصطلاحيا ما زالت طرية ولم تتأصل، ورغم ضيق افقها نوعيا يجعل البعد النظري لها يسيرا، والتوجه لدراسة هذا المصطلح نظريا لا يحتاج غير وعي ليس في افق واحد يتداول الفكرة، فالفكرة بين اكثر من جنس ادبي هي ونحتاج اولا الفصل المنهجي بين جنس واخر في اللغة المكتوبة، وتأهيل الفكرة ارتباطه بفص ذلك التلاصق الاجناسي في نص ادبي.
لقد حذر الجاحظ في خطابه من المستهل، وفعلا قد يكون المستهل يضعنا في مأزق ربما يصل حد اثره الى قتل روح النص، او على  الاقل افتقاد ابعاد مهمة، وأصل فكرتنا يرى أن المستهل الشعري لا بد أن يكون وصفا او جملة اسمية، كي يتيح لما بعده من التوسع والتطور، واما اذا كان بصيغة تسريد شعري معتمدا على فعل سرد وجملة فعلية، فهنا هو يحدد افق ما بعده من جهة، ومن جهة اخرى سيكون هناك تشابك اجناس داخل متن شعري، وهذا بحد ذاته اشكال اذا جاز التوصيف، ومن جهة ثالثة لسانيا فعل التسريد يستوجب بعدا اشاريا، والاشارة ممكنة لكن بعد السيماء اولى منه واحق، فالشعر لا يشير للأشياء بل يوحي لنا به او يعبر عنها شعوريا وحسيا، والفارق كبير بين أن تشير وأن تحس او تشعر، وهنا بلغنا منطقة مهمة تؤكد لنا أن التسريد الشعري مثلبة وقصور وعي ايضا باليات الكتابة الشعرية، فالشعر يكسر الثوابت والتسريد يحافظ عليها، والامر يختلف كثيرا اذن ومراعاة الفهم الاصح والافضل ضروري.
أجد الشعر قد دخل في متاهة عصيبة عبر استغلاله الكترونيا على وجه الخصوص، وحرية الكتابة الشعرية هي ناجمة ليس عن وعي يتصدى للكتابة بل عن تجريب، احيانا تكون الذات الخارجية فيه مهيمنة على كيان النص وهذا احد دواعي التسريد الشعري، واذا كان كاتب النص يعيد انتاج الخطأ التراثي فتلك اشكالية مضافة لذلك التسريد، فالمتنبي شاعر معتبر لكنه كثيرا ما زرع شخصه بدلا من حسه الشعري، وقبله قيل – عرفت الدار بعد توهم – ولو بقي النص في التوهم لكان شعرا لكن التسريد قد افسده.
اليوم يكرر البعض ذات الاشكال في آليات الكتابة الشعرية الجديدة، فمثلا قصيدة تستهل – سأنتظرك هذه الليلة عند الشجرة– وصراحة المنتظر ليس الشاعر بل شخصه في تفسيرنا الموضوعي، وهناك من يعيد تكرار الفعل السردي استلالا - انطلق. حلق عاليا واحلم بما تشاء- ورغم استخدام مضامين نسبيا شعرية، وكان الاجدر تقديمها على افعال الامر الثلاثة – انطلق، حلق، الم– واستغرب تكرار فعل أمر ثلاث مرات بصيغة عضوية.
التسريد الشعري عادة ما يهتم بكيان الشخص أكثر من ذاته الشعرية، وهنا سيفقد النص بعدا زمنيا مهما، وفقد أثرا زمنيا مهما لتطوير سيماء النص ووحداته الدلالية، ونجد هناك فارقا كبيرا إذا قارنا بين زمن التسريد العضوي وزمن الشعر الحيوي والسائل حسب تفسيرات باشلار، والمضامين الشعرية تنتعش بذلك الزمن السائل وتنفتح بالمعنى على افاق الفن الخلاق والجمال، ويصل الشعر أقصى حدود اللا ممكن، بينما التسريد يحافظ على حدود حقيقته المعلنة.