قلبي ممتلئ بك

ثقافة 2021/07/04
...

حميد المختار 
لم أقرأ (لهيثم الطيب) من قبل شعراً ومع ذلك حين قرأت له ديوانه (قلبي ممتلئ بك) شعرت به ممتلئاً بالجمال والشاعرية والغور في ذاته من غير أن يطرق الباب، ذاته التي فتحت أبوابها للآخر فصار يراقب الممرات التي توصله للمعشوق، ثمة جسد وسرير وقمر يظفر الجدائل وشمس فاتنة تنير للجمال.
هذا الديوان ربما يشكل بوصلة شعرية تحدد اتجاهات الشاعر وهو يترقب نزوات الجسد وبلاغته، يكتب بحكمة العشق وليونة الرغبة ونبض القلب وهو يتسارع كلما اقترَبَتْ، وسيصبح الفضاء ضيقاً إذا ما قورن بالمأوى الروحي ولكن ثمة جدرانا أيضاً تقف حائلاً بين ثقوب القلب التي تحوي الألفة والمؤانسات والرغبات الجامحة..
اكتشفت في هذا الديوان أن ثمة قلماً يرسم عوالم الحرية الشاسعة التي وهبت الشاعر كلماتها التي صارت تسقط من فمه وترتعش فيه وتقوده إلى لذة الغرق في بحيرة المحبوب..
الأيروتيكا هنا تتسلل بخفة روح الشاعر ذاته بلا تكلف أو قصدية إنها نابعة من الذات الشعرية وعمقها السري في روح الشاعر، يبصر المفاتن البعيدة التي توصل معانيها الكلمات..
الكلمات هنا هي أبواب كما لو أنها جسد يفتح أبوابه للأحلام، وأنا في الحقيقة سأقف طويلاً أمام سيرورة هذه الكلمات وكنت قد كتبت عنها في مقال سابق، وهنا سيعيدني هيثم الطيب إلى فعلها الرؤيوي وقدرتها الايقادية على رسم جحيم المعنى في مفترق الأجساد، كلمات المباهج والحكمة والألم والنور والشفاه والوردة والمطر والحجارة والرمل والخمر والدنيا والأصوات، ولم يبق من الكلام سوى الرائحة..
تصوروا معي لو ان الكلمة تبعث رائحة تمثّلها وتُعرف من خلالها رائحة الجسد ربما أو رائحة حبيب غائب ...!
الكلمة وجود مبلل بالأفكار والرغبات والسماء المثقبة بالشهب الجامحة وهي ترمح في صدر السماء وتعانق ضوء النجمة التي نامت على سرير الغيوم الوثير..
إذن من هو هذا المبلل والمصنوع من التراب والمتوج بالشمس والساكن في سماء القلب، حدائقه لا تشبه الحدائق وظلامه لا يشبه الظلام ص48، هل هي الرغبة العقيمة في العودة إلى الوجود كما يقول فرناندو بيسوا...؟
إذن ستبدأ الحياة لا عندما تكون في حالة احتضار كما يكمل بيسوا إنما تبدأ الحياة عندما تفتح الكلمة تلك الأبواب المغلقة ثم العودة إلى الطفولة، ربما هي طفولة الجسد.
إنها كلمة تقفز داخل الروح وتغني بلا مشقة لصنع الكلمات وبناء الجمل، سيأتي كل شيء منساباً كجريان ماء النهر في الوديان العميقة.. هكذا رأيت ذلك وأنا أقرأ ديوان الشاعر الجميل هيثم الطيب (قلبي ممتلئ بك).
لقد امتلأت ذائقة المتلقي بالجمال وليس قلبه فحسب، هذا الجمال المشع الذي مارسه طويلاً وهو يراقب لوحة الجسد المتوهج الذي أمسى ناطقاً وبلا كلمات، ربما هو الالهام الروحي والوحي المقبل من هسيس الروح وتأوهات الأحلام في الأسرة الباردة.