تمثلات الإثارة في (أَنتَ وَحْدكَ لا أَحدْ)

ثقافة 2021/07/05
...

  زهير الجبوري 
ما كتبه الشاعر أحمد شمس في تجربته الشعرية الأخيرة (أنت وحدك لا أحد /2021)، يشكل استكانة واضحة لشعرية حاضرة ومعبرة عن رؤيا ناضجة لكتابة قصيدة تتمتع بلغة مكثفة، وأرى ان تجربته الحالية (رغم تمتعها بسمات المجاز والاستعارة)، فقد أخذت على عاتقها لعبة المفارقة التي انماز بها شعراء قصيدة النثر لأنها تعتمد الضربة وايصال المعنى بالشكل الذي يراه الشاعر، الا أن (شمس)، كانت له توظيفات دقيقة انسرحت مع المضمون في طرح جوانب سسيو ثقافية، وملاحقة بعض الدقائق الحياتية التي تحيطه، ولا ضير في ذلك.
فالقصيدة هي ابنة الواقع، وما على 
الشاعر سوى إظهار أسلوبه الخاص في 
بناء نصه الشعري، أو مشروعه الثقافي شعرياً.. 
(أنت وحدك لا أحد)، مجموعة أخذت على عاتقها فعل الإثارة لتمثلات شعرية انطوت على سمات دقيقة في (النثر السردي)، وفي (المفارقة النثرية) وفي (الضربة الشعرية/ النثرية)، اجتمعت هذه السمات لتقدم مشروع الشاعر بتوصيفات مطروحة بتأنٍ واضح، وبقدر ما تمتعت قصائد المجموعة بحبكة الكتابة، إلّا أنها أفاضت على نفسها مهارات اللّعبة اللّغوية النثرية في مناطق متباعدة، وهو استعراض كتابي في فنية القصيدة، إذ يستجيب المعنى الى درجة كبيرة في بناء النص بوصفه صناعة، غير ان القصيدة 
حين تطرح نفسها بوصفها مشروعاً (ثقافيا/ اجتماعياً/ سياسيا)، فإنّها تشتغل على الجوهر لتصبح صادمة ومؤثرة وفاعلة..
نقرأ في قصيدة (بعد عام من رحيلها) ما تنسرح فيه القصيدة بسياق 
نثري مسرود، حيث استنهاض الذاكرة ومحاولة جعل النص الشعري محتشدا بالاستعادة، وهي سمة 
امتاز بها (شمس) واستطاع ان 
يتعامل معها بوصفها دلالة ذهنية مفتوحة: (الذكريات تقول: لقد مرّ عام/ الذكريات تقول: لقد مضى/ أين مضى؟!/ من أين جاءت فكرة الوقت.. ص33).
وبقدر ما طرح من إشكالية شعرية في المقطع الذي أمامنا، فهو ايضاً يكشف عن السؤال الفلسفي الكبير (من أين جاءت فكرة الوقت؟)، وهنا تظهر قدرة القصيدة على جعلها مركزاً فكرياً، ربما يقترب الى الحس الصوفي..
في حين نأخذ على عاتقنا ما قرأناه في قصائد تتمتع بمفارقات، إلّا أنها مفارقات مشحونة بالرمز، وبالشكل المجسد للرمز، وليتسع صدر الشاعر حين أقول إن مثل هذه الطريقة طرحت من قبل شعراء لهم تفرد واضح فيها، لذا نقرأ في قصيدة (مرض أليف): (لا تكن شجرة/ لست أخشى عليك من الحطّابين/ ولا حتى أنْ أراك بابا او أريكة فيما بعد/ أخشى أن أراك تابوتاً/ وأخشى أن نلتقي فلا نعرف بعضنا.. ص36). 
هي في الوقت ذاته لعبة لغوية تشبعت بثنائية المجاز والانزياح، ومن خلالها يكون المعنى مركباً 
ومنسرحاً باتجاه تشكيل صور شعرية مفارقة، وهذا ما لمسناه أيضا في المقاطع الأخرى (لا تكن غيمة) و (لا تكن نهراً) و (لا تكن أكثر من مرآة) و(لا تكن أكثر من مرض أليف).
وفي الضربة الشعرية التي عنونها الشاعر بـ (قصائد قصار)، فهي من حيث البناء والتشكل المقطعي مكتملة المعنى، لكني وددت لو أنّها عنونت بدلا من الترقيمات الحرفية، لأنها تكشف عن كتابة قصيدة بمواصفات (قصيدة الومضة)، فضلا عن ان المعنى يختلف من مقطع لمقطع آخر، فحين نقرأ في المقطع (1): لا حقيبة في يدي/ 
أسافر جميعا ثمّ أعود وحدي (ص85).. والمقطع (2): لم تدخر الحرب جنوداً لحفل الختام/ كان هناك قادة فقط/ يهتفون انتصرنا (ص86).. 
وفي المقطع (3): الطفل الذي بلغ الأربعين/ لا يريد أنْ يكبر وحده (ص87).. 
نلمس فعل التحول المضموني في كل واحدة منها، وفي هذه النصوص (الشفرة) التي طرحت بـ (23) 
مقطعا تؤكد قدرة أحمد شمس في 
كتابة شكل القصيدة النثرية الحديثة بجميع أشكالها وفي جميع طرق توظيفها..
في المجموعة الشعرية (أنتَ وحدكَ لا أحد)، ومن خلال ما قدمه الشاعر من تنويعات شعرية في بنائية القصيدة 
من حيث الشكل والمضمون، فانها استطاعت ان تعبر عن رشاقة الجملة الشعرية وهي تكشف عن متعة القراءة والقدرة على التعبير العام للموضوعات التي اختارها (شمس)، وهي مسألة حساسة جداً لأمر يتعلق بحقيقة جيل شعري بانت ملامحه بوضوح، بل شكلت في العديد من شعرائها المشاريع الشعرية الواعية والناضجة.