مع هذا النمط من الايديولوجيات والتنظيمات اضحى العالم كله مجبرا على التعامل مع بعض المفردات التي رسختها الحاجة لفهم ماذا يريد هؤلاء الاسلامويون الراديكاليون من العالم.
هل يريدون عالما (اسلامويا) تحكمه (شريعة) دينية واحدة؟ هل فعلا هم يفكرون باقامة نظام عالمي للـ(خلافة)؟هذه المفردات الثلاث وغيرها اكتشفت مجتمعات اغلب شعوب العالم انها تتداولها وتلوكها وسائل الاعلام وقاعات الدرس ومراكزالبحوث بافراط كبير واحيانا بنمطية كبيرة ايضا.
احداث كالحادي عشر من سبتمبر الى اعلان البغدادي الخلافة في عام 2014،وماتخللها وماتلاها من احداث جعلت آذان العالم مسلطة على العالم الاسلامي والعربي. بالمقابل حرص الجهاديون المتطرفون على استمرار وتيرة هذه الاحداث من اجل ان تصل الى العالم كله رسالتهم في اقامة حكم (الاسلام)
بالقوة. وكانت اللغة هي الشريك الاساسي لجميع هذه الاحداث الاجرامية، ومع كل حدث أو بعده او احيانا قبله (التهديد بالفعل) كانت اللغة هي الوسط الذي يجد فيه الحدث الارهابي حياته.
يشيرالمحلل النفسي عميد وحدة التكوين والبحث في جامعة باريس السابعة الى ان اختراع الاسلاموية من الوقائع الكبرى في تاريخ المسلمين الحديث،سواء انظموا اليها أم حاربوها فهي قد غيرت علاقتهم ليس فقط بانفسهم بل مع العالم ايضا. فلا يمكن التفكير في ما يشاراليه بالتجذر (الراديكالية) والاسلام الجذري (الراديكالي) والنزعة الجهادية،ما لم يفهم ماهي الاسلاموية،وما أصلها التكويني،وما الأسباب التي جعلتها ممكنة ؟. لايمكن ارجاع ظاهرة التجذر الى عنصرسببي واحد،فهنا حزمة من الاسباب الاجتماعية والدينية والسياسية والنفسية،وهذه الأخيرة هي ما يهمنا،خاصة إذا علمنا ان النسبة الكبرى من اعداد المتطرفين الجذريين هم من فئة المراهقين،وهذه المرحلة العمرية معروفة بحدتها وتقلباتها واضطراباتها. المراهق يعتقد أن انخراطه بمثل هذه الحركات انه سوف يقدم حلا لمشكلته بل حلا لمجتمعه وللعالم برمته،وذلك لأنه يؤمن سلفا ان لا حل يمكن ان يكون خارج ما يؤمن به وما ترسخ في ذهنه من عبارات مثل (الإسلام هوالحل) و(يجب تطبيق شرع الله)،وغيرها من العبارات الشعاراتية ذات الصدى الرنان والتأثيرالنفسي الخطير.
لذا فأنن لابد ان نفكر بماذا سنفعله إزاء شخص ترتكز حياته على مثالية جذورها ممتدة الى تعديلات في الهوية ، تعديلات لها القابلية للانقلاب والتغيير الحاد قد تصل الى حد المرض النفسي.
ومثل مامرت الى كل اللغات مفردة (الاسلاموية) فقد مرت مفردات اخرى كخلافة وشريعة وجهاد ، وغيرها من مفردات الخطاب الجهادية السلفية المقاتلة. هذه الترجمة وهذا التداول يؤشر الى المدى العالمي للحدث اللغوي. لقد جرى التلاعب بدلالة العديد من تلك المفردات وتحميلها بحمولة معينة على نحو مقصود منه ان تلك المعاني إلاهية أوكونية ، وانها تشكل ضرورة بذاتها.
هدف آخرقصد اليه الخطاب الاسلامي المتطرف من وراء اعادة إحياء هذه المفردات بثقلها التاريخي القديم هو انها سوف تحمل خطابها الخاص وتعيد انتاج تجربة المعنى في ذهنية المتلقي (المسلم)، بما يتساوق وحاجة المتطرفين لىكسب المزيد من المؤيدين لهم.
إن القواعد التي يبني عليها – الخطاب الاسلامي المتطرف – المعنى مستمدة أومتهيكلة على الأبنية اللاواعية الفنتازية والاستيهامية وحتى العصابية
المرضية.
لنتذكر أن المداخلة الأبرز لجاك لاكان،وهي أن اللاوعي مبني كبناء اللغة تماما،ومادام هؤلاء المتطرفون سجناء نظامهم اللغوي القديم فأن العنف في استمرار وتزايد.
إن تحرك تلك الجماعات لها لعديد من المغذيات اخطرها هو ما تمتد جذوره إلى اللاوعي الجمعي ، حيث تسود هناك الرغبات والنزوات التدميرية والمخاوف (التي تشكل تركيبة اللاوعي) كلها مكبوتة ، أوبلغة فرويد ، إن مبدأ اللذة بالكاد يكون مسيطرا عليه أومحكوما من قبل مبدأ الواقع. كل هذه العمليات كانت نتيجتها إن دخل هذا الخطاب (الاسلام الراديكالي)
مرحلة العصاب.
سيادة الاستعارة في الخطاب اللغوي الاسلامي – وقبلها عتاد الفكرالاسلامي كثيرا على اللغة والكلام- وتحول لغته ما لى لغة استعارية بصورة أساسية بسبب عدم الوصول الى العنى بالطرق المنطقية أوالعقلية ، كل هذا كان احد أهم اسباب تفشي العنف اللغوي والعنف المادي بين تلك الجماعات. فاللغة تدخل في تكوين الذات ، وفيا للآواصر القائمة بين الفردي والجمعي ، وهي التي تغرس جذور التفكير والوعي في العقل الجمعي والثقافة المجتمعية وتمنح الفرد ادماجا ضمن فئته العمرية،وهي في النهاية من يغرس فيه القيم والمثل العليا التي سوف تحدد له مصيره.