أحياناً أتصرف مثل مكيافيلي

آراء 2021/08/04
...

    نوزاد حسن
 
 قد يثير عنوان هذا المقال شيئا من الحيرة ذلك، لان مكيافيلي معروف بانه صاحب اقسى مقولة نسمعها تتردد بين الالسنة وهي الغاية تبرر الوسيلة. هذه الجملة تشبه نفخة شيطانية لان الكثيرين يظنون ان عبارة مكيافيلي السابقة هي التي حركت التاريخ وصنعت الطواغيت والدكتاتورية. هناك اعتقاد جازم ان من هذه الكلمات الثلاث اصيب العالم بنكبة قادته الى الحروب والاغتيالات. 
مكيافيلي هو السبب الاول والاخير، فهذا الشيطان الذي ظهر في ثوب انسان كان يعلم الامراء كيف يحكمون، ويستمرون في الحكم. كل هذا نعرفه، والطريف ان في الغرب ينظرون الى مكيافيلي كما ننظر اليه نحن. 
ولا استبعد ان نكون نحن من اخذ من الغرب الصورة التي كونوها عن ذلك المستشار، الذي انتهى وحيدا بعد اخفاق سياسي كلف مكيافيلي سمعته ومكانته. 
لكن ما علاقتي بمكيافيلي انا المسكين الذي اعيش في زمن غير واضح، ينتشر فيه الفساد الى درجة لا تصدق. فكل شيء خاضع لمزاج الصفقة السياسية التي لا تقبل التأجيل. فساد اقرت به الحكومات المتعاقبة. ولا أحد يواجهه. إن ايطاليا الممزقة ايام مكيافيلي هي كل ما نقوله عن السيادة الوطنية اليوم، وهي ايضا كل ما ننتقده حين نتحدث عن فساد ومال سياسي دمر العملية السياسية برمتها. 
لكن ماذا حصل لمكيافيلي وهو يجد نفسه في وضع غير مستقر. 
لن يصدق أحد أن هذا الرجل الملعون كان معذبا، لأن وطنه ايطاليا لم تكن موحدة. لا اقول انا هذا الكلام. لقد رسم الناقد العظيم اليوت صورة لمكيافيلي فيها شيء لم يلمحه احد. فهذا الشيطان الذي لا يتوقف عن فعل الشر كانت عاطفته اتجاه وطنه تسير عقله. وكان اذلال ايطاليا هو اذلال له. قال اليوت ذلك وغير ذلك عن مكيافيلي.
 في الحقيقة كنت محتارا تجاه بعض الاصدقاء الذين يتحدثون عن حاجتهم لوطن يضم الجميع بلا تفرقة. هناك عذاب شخصي يعيشه العراقي يقترب جدا من كآبة وطنية - كما افضل ان اسميها- تشعرنا بأننا مقصرون مع اننا لا نملك القرار، ولا الامكانيات. 
إن كآبتنا الوطنية هي ذل مكيافيلي. وفي تجربة تشرين كنت ألمس ذلك الحس الوطني، الذي يشبه بديهية لا تقبل النقاش. فعاشق الوطن يريد أن يثبت معادلة عشقه الرياضية لكن من دون أرقام.