جوهر الأدب

منصة 2021/08/11
...

  د. عبد الخالق حسن
 
{ الأدب مرآة عصره}.. مقولة شاعت واستقرت في الاذهان بهذا المعنى المنقول أو ربما بتصرف فيه، لكن ما يهم هو المعنى العام. 
هذه المقولة بقدر ما تمنح الأدب مركزية وأهمية، لكنها في الوقت نفسه تحمل الأدب فوق ما يحتمل وتجعله في مرتبة المتهم دوماً إنْ لم يكن معبراً عن زمنه، مع أنَّه ليس مطلوباً من الأدب أنْ يخضع للأمزجة والمقولات ما دام يطير بجناح 
الخيال. 
هذا الأمر يسحبنا إلى البحث عن موضوعية تسمية الأدب باسم عصر من العصور السياسية.لدينا مثلاً في الأدب العربي حين ندرس الأدب القديم نسميه باسم العصر السياسي الذي كُتِب فيه. فنحن لدينا الأدب الجاهلي والإسلامي والأموي والعباسي والوسيط. 
وكل أدب من هذه الآداب يجتهد النقاد والباحثون للتفصيل في المرجعيات الثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، التي يرون أنَّها كانت سبباً في تطور الأدب في كل عصر من هذه العصور. 
والمرجعية الأهم طبعا تظل هنا السياسية التي تمثل السبب الأبرز والأهم في تسمية 
الأدب. ونحن لسنا بدعاً بين الأمم في نسبة الأدب إلى الزمن السياسي، بل نجد الأمر لدى الأمم الأخرى- وكمثال على هذا يدرس الباحثون في الأدب الانكليزي هذا الأدب- مرتبطاً بالزمن السياسي الاليزابيثي أو الفكتوري 
وهكذا.
لكن المختلف لدينا هو تحكم النسق السياسي بشكل الأدب، لأنَّه مرتبط بما يناله الأديب من أموال حين يقدم بين يدي الحاكم ما يرضي ذائقته وذاته، في حين أنَّ فكرة شاعر البلاط الذي ينال المكافآت بعد كل قصيدة ليست موجودة لدى الأمم الأخرى بقدر رسوخها لدى العرب.
هنا نعود إلى ما ابتدأنا به كلامنا عن مطالبة الأدب بأنْ يكون مرآة للعصر الذي نشأ 
فيه. 
فمع تحكم النسق السياسي بتاريخنا الأدبي يكون الأدب في أي عصر من العصور ممثلاً لوجهة نظرالحاكم وليس معبراً عن العصر تمام التعبير، لأنَّ الأديب ليس بمقدوره أولاً أن يكتب ما يخالف توجه الحاكم السياسي أو الذوقي، ولدينا أدلة وشواهد كثيرة تخص الأمر عن رفض الحكام لمعانٍ وأفكار وردت في الشعر الذي يقال بين أيديهم. 
ربما الاستثناء هنا ما جاء في حكاية علي بن الجهم حين مدح المتوكل بقوله: {أنت كالكلب في حفاظك 
للود}.
ومع هذا أجازه المتوكل لأنه كان حديث عهد بالمدينة. 
في حين تنقل المصادر التاريخية عن تقريع كثير من الخلفاء للشعراء على بعض أقوالهم
 الشعرية. 
لهذا فإنَّ الذي تنطبق عليه مقولة التعبير عن العصر هو أدب المعارضة فقط، لأنَّه لا يخضع لذوق الحاكم ولا لسلطته، بل إنَّه يطير بعيداً عن فكرة الخضوع ويسلك طريق التمرد. وهذا هو جوهر الأدب.