كلفني كتابة العنوان وقتا طويلا وأنا اعد المادة الخاصة بهذا المقال ,فالمهم أن يستهوي الموضوع قراء هذا الزمان ,ذلك أن الكثير منهم لم يسمعوا بأي من هاتين الشخصيتين اللتين لهما ذات الاسم :عدنان رؤوف , رغم انتمائهما الى جيلين متتابعين
عدنان الاول,مثقف عراقي ودبلوماسي عريق ومن جماعة جواد سليم و(الوقت الضائع ),وعدنان الثاني قاص وروائي ممتاز ودكتور في الاقتصاد ,وقد نشر أولى أعماله عام 1961 وهي مجموعة قصصية تحت عنوان (الشخص الثاني) ,وليست هذه وحدها هي اساس المفارقة بين الشخصيتين اللتين يجمعهما التحديث والاضافة والدعوة للتجديد الفكري ويفرقهما امران : الاسم والزمن,أضافة للنتاج الفكري.
عدنان الاول
في السادس من كانون الاول سنة 1998 نشر السياسي العراقي عدنان الباجهجي كلمة تأبين في جريدة(الحياة) اللندنية تحت عنوان (الدبلوماسي العراقي عدنان رؤوف ) يقول فيها انه توفي في قبرص في الاول من الشهر,وانه التقاه أول مرة في بيت الفنان الراحل جواد سليم في محلة الفضل خلال الحرب العالمية الثانية في سنتي43-1944,ويقول عدنان الباجه جي أنه كانت تربطه هو بجوادعلاقة صداقة بدأت عندما تعرف عليه بواسطة صديقي طفولته نزار علي جودت الأيوبي وخلدون ساطع الحصري,ويشير في كلمته الى جلساتهما الحوارية مع جواد سليم .
يقول الباجه جي أيضا أن عدنان رؤوف عين مستشارا في بعثة العراق في الامم المتحدة عندما كان هو سفيرا,وكان عنصرا فاعلا في اللجنة,وعندما استقال عدنان الباجه جي من الخارجية العراقية عام 1969 كممثل للعراق في الامم المتحدة استلم عدنان رؤوف المنصب واداره بكفاءة,ثم عين لاحقا في سكرتارية الامم المتحدة.
ذلك ما يتعلق بحياة عدنان رؤوف الاول كدبلوماسي ووفاته في ليماصول –قبرص .
ان الامر الاساسي هنا هو علاقة عدنان الاول بالحركة الثقافية العراقية ,أذ كان جزءا من جماعة (الوقت الضائع ) كما افادني الصديق نزار سليم في مقابلة خاصةوكان قبل هذا واحدا من محرري مجلة (الفكر الحديث ) التنويرية لصاحبها الفنان جميل حمودي.
ان الذي اثار اللبس في الخلط بين الشخصيتين مقالة كتبها الاستاذ علي عبد الامير عجام في مجلة (التنويري) في عدد12 تشرين الأول2017 تحت عنوان:
(عدنان رؤوف علامة التنوير الرفيعة في الثقافة العراقية) اشاد فيها بتجربة عدنان الاول وصداقته مع آل سليم وأصداره مع نزار جريدة (الامل)الحائطية عام 1937(وهو من مواليد 1926),وكان رئيسا لتحريرهاوخطاطها ,ثم عاد ونزار سليم وأسمياها (الصبا ).
عدنان الثاني
ويستمر عجام في الحديث الممتع عن عدنان الأول حتى نصطدم باعتبار رواية (يوميات السيد علي سعيد) هي الرواية التي ألفها ونشرها,وهو أمر غير دقيق فعدنان هنا هو عدنان الثاني , دكتور الاقتصاد الذي سنتحدث عنه بعد حين ,بعدأن نستكمل حديثنا عن عدنان رؤوف الاول الذيانتقل الى رحمة الله وحيدا في قبرص عام 1998. الدكتور عدنان رؤوف (الثاني )بدأ تجربته في اصدار ماكتب عبر مجموعته القصصية الاولى(الشخص الثاني ) التي صدرت عام 1961,وهو بعد يعيش تجربة الاستلاب الوجودي من الواقع متطامنا مع قول سارتر (الجحيم هم الآخرون ) واضعا تجربته الحياتية الخاصة مع المجموعة التي يتعايش معها وظيفيا كمعلم ,فبعضهم يطالبه بالأنتماء السياسي قسرا الى احدى التنظيمات دون استيعاب لقدرة الانسان على الحرية الفردية الرافضة لارادة القطيع في وقت يعاني هو فيه من رغبة الام الشخصية بزواجه السريع . أن بطل( الشخص الثاني) شخصية واحدة تتكرر في معظم التجربة ,شخصية تصر على الحرية التي عايشها بطل عدنان رؤوف وهو يصدر مجموعته القصصية الثانية(أفكار الرجل الطويل) في بدء الثمانيناتعند عودته الى الوطن بعد هجرة قسرية الى المانيا أكمل خلالها دراسته الجامعية العليا في التخطيط والاقتصاد السياسي. الدير والعيش الانفرادي يقابله وجود غابة تتداخل مع رهافة الروح التي استكانت الى عتمة قسرية اجتماعيا ضاع فيها ذلك الأحساس بالهفة الانسانية والانصياع الى قلق داخلي مستمر توجته صرخة امرأة عجوز في وجه بطل أحدى قصصه وهي تنهره وتصفق الباب بوجهه فيقرر العودة الى حيث ولد وقد أرهقه جفاف الغرب ...آنذاك.
في ص68 من كتابي(رحلة مع القصة العراقية) الصادر عام 1980 قلت عن رواية الدكتور عدنان رؤوف الاولى(يوميات السيد علي سعيد) التي كانت قد صدرت حديثا :
(هو يشعر بالفجيعة من هذا العالم الذي يطرده بكل تفاصيله, من زوجته الى الدائرة الاجتماعية التي تحيط بهووحين يحاول أن يغامر متخذا
لكنة
الغرب يحس أنهم يفهمون حركته فيتراجع ويحزم حقائبه راحلا نحوالوطن)
أن علي سعيد هنا في غربته كان يحمل تاريخه الاجتماعي الذي ظل يصارع مجتمعه الجديد الذي أضطر للتخلي عنه لأنه لفظه تماما .
أن هذا التوحد الذي مرت به شخوص عدنان رؤوف عبر قصصه القصيرة وروايته يظل صارخا واضحا في معظم تجارب شخوصه ,فهو أبن الحرية الفردية الدائم الذي لايأمن المجتمع ولا يتعايش معه بسهولة. بذلك يظهر واضحا بعد الرجلين عن بعضهما زمنا وتوجها وأن تشابهاأسما , وأغفلهما النقد العراقي دوما !