د. زينب الركابي
ليست باستطاعة أي امرأة أن تقوم بالدور الذي قامت به الحوراء، والمهمة التي
أوكلها إليها الإمام الحسين عليه السلام، فالحوراء كانت تمتلك من المؤهلات والاعداد الفكري والنفسي من أجل أن تنهض بالعبء الرسالي الكبير، ولذلك قيّمها
الإمام السجاد عليه السلام بقوله: (إن عمتي زينب عالمة غير معلمة وفقيهة غير مفقهة)، وكما وصفها الرواة بأنها كانت تحكي عن لسان أبيها أمير المؤمنين،
كما نقل عنها الرواة أنها لم تترك صلاة الليل حتى في ليلة الحادي عشر من
المحرم.
عطاء الاسلام
وزينب من علمها وبصيرتها وصبرها وإيمانها أين منها نساء اليوم؟ وأين منها الذين يرون أن مكانة المرأة أن تحبس في بيتها ولا تخرج إلا مرتين مرة لبيت الزوجية والثانية لقبرها؟.
ولئن كانت زينب عطاء الإسلام فأين المتباكون على المرأة وحقوقها خوفا عليها من أن يقيدها الإسلام بقيوده؟.
التأثير الذي أرادت إحداثه الحوراء زينب عليها السلام عند أهل الشام يختلف عنه عند أهل الكوفة، فالمجتمع الشامي لم ترد زينب تحريكه وإنما أرادت توعيته من أجل فضح الخطة الإعلامية ليزيد التي
شوهت الثورة الحسينية، أما المجتمع الكوفي فأرادت العقيلة تحريكه ولذلك اعتمدت شحنه عاطفيا، وقد تحقق لها ما أرادت.
يقول أحد الرواة واصفا أهل الكوفة بعد خطبة السيدة زينب: (فوالله لقد رأيت الناس يومئذ حيارى، كأنهم سكارى، يبكون ويحزنون ويتفجعون ويتأسفون وقد وضعوا أيديهم في أفواههم).
قال: (ونظرت إلى شيخ من أهل الكوفة كان واقفا إلى جنبي، وقد بكى حتى اخضلت لحيته بدموعه وهويقول: صدقت بأبي وأمي، كهولكم خير الكهول، وشبانكم خير الشبان ونساؤكم خير النسوان، ونسلكم خير نسل لا يخزي ويبزي).
نفي سياسي
لقد أدت العقيلة رسالتها على أكمل وجه لا في الكوفة والشام فحسب وإنما بعد رجوعها إلى مدينة مجدها حتى أنها أصبحت مصدر خطر كبير على السلطات الأموية مما دفع الأخيرة إلى نفيها من بلدها – ولعلها أول امرأة تنفى لأسباب سياسية – ووضعها على مقربة من عاصمة الحكم الأموي لتكون تحت الرقابة المركزية المشددة، حتى مضت آخر سني حياتها الشريفة لتدفن في جوار عاصمة الجور الأموي.
مستقبل الرسالة
حينما نعود إلى خطاب العقيلة ونتأملها على ضوء العلم الحديث، نجدها قد تمتعت بعناصر النجاح، أوأنـها حـققت الشـروط المطلوب توافرها في عناصر العملية الإعلامية الناجح، فنجد أن هناك اختلافا في مضمون الخطاب الموجه إلى المجتمع الكوفي عن ذاك الموجه إلى المجتمع الشامي لاختلاف المجتمعين، أولاختلاف (مستقبل الرسالة الإعلامية)، فالمجتمع الشـامي يجهل هؤلاء الأسارى ويرى فيهم
خوارج حتى أن أحدهم يطلب من يزيد جارية من هؤلاء السبايا ويرى في قتل الحسين يوم ظفر وانتصار ليزيد، حتى أن الصحابي سهل بن سعد الساعدي قال عندما رأى مظاهر الشام هـل إن لأهل الشام عيداً لا نعرفه؟ ولذلك نرى في خطاب زينب عليها السلام كما في خطاب السجاد عليه السلام تركيزاً على التعريف بهم ومدى ارتباطهم بالرسول صلى الله عليه وآله الأكرم.