قاسم موزان
عادة ما تسيطر أجواء خانقة من الضجر والملل والكآبة على أجواء الأسرة، وتشتبك في ما بينها الامزجة الانفعالية والتوترات النفسية التي تنفجر لاسباب بالإمكان احتواؤها، عبر حوارات هادئة. وأضافت اشتراطات الحظر والتباعد المكاني في عتمة تفشي كورونا عوامل اخرى، لتفاقم الرتابة والنمطية. بشأن هذا الموضوع التقت صفحة أسرة ومجتمع عددا من المهتمين.
في هذا الصدد اشار أ.د. يوسف حمه صالح من جامعة صلاح الدين في اربيل الى امكانية تناول الضجر والكآبة داخل الإسرة من بُعدَين، كأسباب ونتائج، من حيث الأسباب، تتلخص في طبيعة الشخصية والاستعداد الوراثي والخَلقي للفرد المُهيّأ لنشوء أعراض الضجر والملل لديه، التي تظهر بصورة فقدان الدافعية والطاقة والرغبة في النشاطات الاجتماعية، والافتفار إلى حسّ الاستمتاع بمباهج الحياة، وقد يكون هذا الضجر ناجماً عن الكآبة النفسية والتي تفرز بدورها أعراضا متداخلة، من حيث فقدان الرغبة في ممارسة الفعاليات اليومية الروتينية والشعور باليأس والعجز وفقدان الأمل، والافتقار الى اللذة في العلاقات الحميمية وكذلك اضطرابات في النوم والشهية وصعوبة التركيز وسرعة الانفعال والميل للعُزلة.
وتابع حمه، لدى التحري عن الضجر والاكتئاب كنتائج نرى أنَّ أعراضهما متداخلة وناجمة عن تشَتّت أواصر العلاقة الزوجية لعلاج أية ظاهرة أوحالة سلبية، علينا أولاً التحري عن الأسباب لغرض إزالتها أو إضعافها قدر الإمكان، وأهم خطوة نحوالعلاج في هذا الصدد هو تشخيص أوالشعور بالمشكلة. إلّا أنَّ إعادة النظر في ما يتمخض عن التفكير السلبي من ضجر واكتئاب وربما اضطرابات أُخرى باتجاه الانفتاح على الحياة والناس وتسخير الطاقة النفسية في النشاطات الهادفة والمُمتِعة من، قراءة ورياضة والاستماع إلى الموسيقى ومشاهدة الأفلام والسفر، والابتعاد عن الأجواء الكئيبة.
الأشياء نفسها
اكثر الاسباب التي تؤدي الى الكآبة والضجر هي الرتابة والروتين الممل للأعمال اليومية التي ليس فيها تجديد اوتغيير، لذا كان لا بد من معرفة ما هي هذه الأشياء الروتينية التي نقوم بها حتى نكسر رتابتها وتغيير طريقة التعامل معها أوالقيام بها بأسلوب آخر، هذا ما اوضحه الاديب محمد جبر حسن مضيفا، ان طريقة الحياة الروتينية للأسرة قد تؤدي الى الملل بعد مضي فترة، الكلام معاد، الطعام نفسه، والوجوه ذاتها والاهتمامات متشابهة، لذا تجد احد اطراف الأسرة كأن يكون الزوج اوالزوجة او احد الابناء او جميعهم قد وصلت بهم الحالة انه لا شيء جديدا في حياتهم ويبدؤون بالضجر والنرفزة، واضاف جبر لكي حتى لا تصل الحالة بهم الى هذا الطريق يمكنهم ان يقوموا ببعض الفعاليات البسيطة التي تنتشلهم من حالة الملل، كأن يقوموا بسفرة حتى ولوكانت سفرة داخلية ولمدينة ليست بعيدة، استذكار أيام وساعات جميلة مرت عليهم، لذا اتجهت هذه الدول بوضع خطط وحلول لاشغال فئة اليافعين والشباب بفعاليات رياضية واجتماعية تشغلهم وتحفز طاقاتهم وتوجههم.
حالة مؤقتة
وعلق الباحث في الانثربولوجيا
د. يحيى حسين زامل على سؤال الضجر والكآبة في الأسرة العراقية فيجب التفريق بينهما، فالضجر حالة مؤقتة تزول بزوال مسبباتها من الملل والفراغ أوحادثة نفسية مؤقتة، بينما الكآبة هو مرض أو أزمة نفسية طويلة الأمد، نتيجة الفشل في التجارة أو المرور بتجربة عاطفية فاشلة، أوالفشل في الدراسة وغيرها من الأسباب، والتي تحتاج إلى مختص وتدخل طبي من قبيل تناول الأدوية والعقاقير، وربما تحتاج إلى جلسات عند المعالج النفسي، وكثير منها يفشل لا سيما أن المريض لا يستجيب لهذه المعالجات بسبب تفاقمها اوتأخر الأسرة نفسها في معالجة أبنها، وأضاف زامل تأتي الأمراض النفسية بعد أن تعقدت الحياة الاجتماعية ودخول التكنولوجيا والعالم الحديث وثورة الاتصالات، والتي بسببها نشأت أمراض من قبيل التوحد والعزلة والاكتئاب والضجر والملل والحزن في الأسرة بشكل عام، وفي الأسرة العراقية بشكل خاص، فكانت نتائج هذه الأمراض وخيمة عليها، لا سيما هو يمر بظروف استثنائية من الحروب والكساد الاقتصادي والبطالة والفقر والعوز، فنتجت عن ذلك أزمات وإشكاليات أسرية واجتماعية، مثل الطلاق والهجرة والانتحار، فضلا عن الكآبة والضجر اللذان أصيب بهما بعض أفراد الأسرة العراقية، نتيجة هذه الظروف القاهرة، ونتج عن ذلك حدوث شرخ في نظام الأسرة ونسقها المنتظم، مما جعلها منقسمة أومنكسرة ولا تؤدي دورها بشكل طبيعي.
مقترحات
قالت المتخصصة في العلوم النفسية
د. نهى نجاح عبدالله: سيطر الملل على تفاصيل حياة الافراد، خاصة بوجود الحظر الجزئي والشامل والتباعد الاجتماعي والاجراءات المشددة نوعا ما، وما يرافقها من خوف وقلق ملازم للافراد من الخوف من فقدان عزيز بسبب الاصابة اواحتمالية الاصابة بالفيروس في اي لحظة، وبطبيعة الحال فأن هذا الامور تكون أسبابا لتشكيل الاضرابات النفسية وتغييرات المزاج عند الافراد، يرافقها حالة من الضجر والملل وحتى الكآبة حتى بعد ان تراجعت قرارات عودة الحياة لطبيعتها تدريجياً، ويعد هذا امراً طبيعياً لانه مرتبط بالتغييرات الاجتماعية والاقتصادية من كثرة
الاعباء، فقدان العمل بالنسبة للعاملين في القطاع الخاص، عدم وجود خطط مستقبلية، الخوف من المجهول القادم لشكل الحياة بعد زوال الفيروس. واقترحت عبدالله لتفادي الضجر في ممارسة الرياضة، تعلم لغة جديدة، تصفح صورا أسرية قديمة، ممارسة الهوايات المفضلة.