العوامل المتداخلة في نشوء طبقة المملوكين في الجاهلية

آراء 2021/09/01
...

 أ. د. نجاح هادي كبة
 
الطبقة المملوكة هي ادنى الطبقات منزلة في المجتمع الجاهلي، وهي طبقة الرقيق، أي الطبقة المملوكة لغيرها ليس لها في هذه الحياة حرية ولا رأي ولا اختيار فقدت حريتها بالرق، وصارت ملك سيِّدها وهي، ما تنتجه ملك للمالك، ويدخل في ذلك نسلها الى الأبد، إلا إذا مَن المالك على عبده بفك رقبته، فيصير حرّاً وتنتقل الحرية الى نسله أيضاً ((د. جواد علي، المفصل في تاريخ العرب قبل الاسلام، أوند دانش، ج7، ص: 348، بتصرف)). 
ان ظهور هذه الطبقة في المجتمع الجاهلي وليد عوامل طبقية في تركيبة المجتمع، فهناك، (أولاً، فئة الأحرار وفئة العبيد، شأن المجتمعات القديمة كلها، ثانياً، طبقة الأشراف، والأسياد، وطبقة العامة، ثالثاً، طبقة الأثرياء من ملّاك الارض، ومن ملّاك الماشية في البادية والارض في المجتمع الزراعي، ومن التجار، رابعاً، الطبقة المتوسطة من اصحاب الحرف الرفيعة، خامساً، طبقة الفقراء والمستضعفين من أصحاب المهن "غير الرفيعة") ((د. عبد المنعم الجبري، المرأة عبر التأريخ البشري، دار صفحات، دمشق، 2014م، ط3، ص:211))، وكانت طبقة المملوكين من فئة الطبقة الأولى فئة العبيد المملوكة من قبل الاحرار على اختلاف اجناسهم وأعراقهم، وقد تداخلت عوامل مختلفة في نشوء هذه الطبقة في المجتمع الجاهلي، منها: 1- العامل العسكري، 2- العامل الاقتصادي، 3- العامل الاجتماعي، 4- العامل البيئي. وسأتناول بالتفصيل كل عامل من هذه العوامل المحركة لهذه الظاهرة، وعلى النحو الآتي:
• العامل العسكري: فكانت الحروب في ما بين القبائل العربية سبباً في وقوع أسرى بين يدي القبيلتين المتحاربتين فقد (اتسم المجتمع العربي قبل الاسلام بصفة الفرقة السياسية، وقد أدّى ذلك الى نشوب النزاعات والاقتتال في ما بينهم، فدارت حروب استمرت فترة طويلة، وكانت تلك الحروب والمناوشات تعرف بالأيام، وسميت بذلك لأنها كانت تستمر طوال النهار وتتوقف ليلاً وفي الغالب يذكر اسم الواقعة بعد مفردة "يوم" وكانت تلك الأيام تسمى باسم الموضع التي دارت فيه) ((د. أحمد سعيد راشد، أحوال العرب العامة قبل الإسلام، بغداد، دار الشؤون، ط1، 2020م، ص: 191)) (والحروب مورد من موارد الرزق للمحاربين الشجعان الذين يتمكنون من أسر من يبرز اليهم والأسر خير للأسر من محارب يقتله، فقتله لا يفيده من الناحية المادية شيئاً سوى ما يقع في يديه من أسلابه، أما اسره، فإنه يفيد فائدة مادية، فعلى الاسير ترضيته بدفع فدية مرضية، إن اراد فكَّ اسره وتحرير رقبته وإلا صار عبداً مملوكاً لآسره، له ان يمتلكه وله ان يبيعه والغالب ان يبيعه في حالة عجزه عن تقديم فدية، أو عجز أهله عنها، كي يتخلص بذلك آسره من أخطار هروبه منه، فيأخذه الى الاسواق ويبيعه فيها) ((د. جواد علي، المصدر السابق، ص: 350)) لأن الاسير سيكون مملوكاً وذا فائدة للمشتري فقد يستعمل في الحروب أو في الخدمة هو ونسله وما الى ذلك. 
• العامل الاقتصادي: تخضع الطبقة المملوكة في الجاهلية للبيع والشراء – كما تقدم- كأية سلعة اخرى تباع وتشترى في الأسواق وهم تجارة رابحة بحسب الحاجة اليهم لذلك (فقد وجد الرقيق في كل مكان من جزيرة العرب، لا سيما في المستوطنات الزراعية، والقرى ومواضع التجار والتعدين لحاجة هذه المواضع الى الأيادي العاملة، ومن يدافع عنها) ((د. جواد علي، المصدر السابق، ص: 353)): والمرأة تكون مملوكة في حالة نوع من الزواج كان معروفاً في الجاهلية يسمى الزواج بالشراء (وكان شائِعاً عن أقوام شبه الجزيرة العربية قديماً، فكان الرجل يدفع الى والد المرأة مبلغاً من المال يدعى مهراً، ولم يكن هذا المهر هدية تقدّم الى المرأة نفسها كما تقرر في أحكام الشريعة الإسلامية، وإنّما كان ثمناً يدفع الى والدها يضاف الى امواله الخاصة، فكان هذا الزواج في صورته القديمة شكلاً من أشكال الشراء، لذا كان عرب ما قبل الإسلام يطلقون على البنت اسم {النافجة} لأنها تعظم مال أبيها بمهرها) ((د. هاشم يحيى الملاح، تاريخ العرب قبل الاسلام، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 2008م، ص: 35)).
• العامل الاجتماعي: كانت الطبقات المالكة تستخدم المملوكين في البيوت لأداء الخدمات المنزلية أو الخدمات الخاصة للمالكين (وتطلق لفظة {خادم} و {خادمة}) على من يقوم بالخدمة، خدمة البيت أو السفر، كل خدمة أخرى يطلبها المالك. ويخدم الخدم في البيوت ويقومون بتنظيفها وبالطبخ والخبز وما شاكل ذلك من أعمال) ((د. جواد علي، المصدر السابق، ص: 353)).
• العامل البيئي: تؤثر البيئة الطبيعية في سلوك الأفراد وعاداتهم وتقاليدهم وعلاقة بعضهم ببعض، وكانت البيئة الطبيعية لشبه الجزيرة العربية أحد العوامل المسببة في نشوء طبقة المملوكين، فبيئة جزيرة العرب ذات طبيعة صحراوية (التي غالباً ما تتصف بالجدب... فقد اتصفت بالقسوة وشح الماء وضآلة الموارد وانعدام السلطة المركزية، فكانت عاملاً مؤثراً في اشتعال فتيل الحروب، وهذا ما يفسره لنا جليّاً شيوع الشقاقات والاصطدامات العسكرية في أواسط المجتمعات البدوية أو القبلية) ((د. أحمد سعيد راشد، المصدر السابق، ص: 191 - 192)) ولابد من الاشارة الى ان هذه العوامل متداخلة ويؤثر بعضها ببعض.