العالم والمسؤولية.. زيارة الرئيس الفرنسي ماكرون للكاظمية

آراء 2021/09/01
...

  د. إسماعيل طه الجابري
ضمن جدول زيارته للعراق زار الرئيس الفرنسي ايمانوئيل ماكرون مدينة الكاظمية وتحديداً العتبة الكاظمية المقدسة، مساء يوم السبت 29 آب 2021. حيث الامام موسى بن جعفر الكاظم وحفيده محمد بن علي الجواد، واشتملت زيارته أيضاً على بعض المرافق الثقافية المهمة، وكان أبرزها مكتبة الجوادين العامة (مؤسسة السيد هبة الدين الحسيني الشهرستاني)، وما أن إنتهت الزيارة التي أبهرت الضيف والوفد المرافق له، حتى ضجت بعض صفحات وسائل التواصل الاجتماعي بالاعتراض والتنديد بهذه الزيارة، بل إن البعض منهم- ومع الاسف الشديد - راح يسيء للشخصيات الكاظمية التي استقبلته، والسبب في ذلك يجسده السؤال الاستنكاري الآتي: كيف تستقبلون من أساء الى الرسول الكريم محمد (صلى الله عليه وآله) وفي مدينة حفيديه؟!.
 
وهنا لا بد لنا أن نناقش الموضوع بكل أريحية ورحابة صدر لنقول:
1 - إن برنامج الزيارة لم يكن معداً من قبل الحكومة العراقية، بل جاء بطلب من الرئيس الفرنسي نفسه، (وهنا لا بد لنا من أن نؤشر الى أن الزيارة لها غاية محددة في ذهن الرئيس)، ولأجل الترتيب لتلك الزيارة، زار وفد مشترك من مكتب رئيس الوزراء والسفارة الفرنسية العتبة الكاظمية والمرافق المقرر زيارتها داخل العتبة المقدسة، ومنها مكتبة الجوادين العامة، وذلك في يوم الجمعة 27 آب 2021، أي حتى قبل أن يصل الرئيس الفرنسي الى بغداد، إذ كان مقرراً أن تتم الزيارة صباح يوم السبت وقبل إنعقاد 
المؤتمر.
2 - إن العتبة الكاظمية واحدة من مؤسسات الدولة- رغم خصوصيتها- وأنها تخضع لتوجيهات الحكومة فضلا عن توجيهات المرجعية الدينية العليا، ولا أعتقد أن أحداً وضمن الإطار الرسمي المؤسساتي يمنع الحكومة من القيام بزيارة من هذا النوع. 
3 - إن الاحتجاجات التي أعقبت الإساءة للرسول الأعظم في بلدان العالم الإسلامي وحتى الدول الأوروبية ومنها فرنسا، قد أوصلت رسالتها الى الرئيس الفرنسي على حجم الإساءة. 
4 - لماذا نستبعد أن تكون الزيارة وتحديداً لهذا المكان المقدس وبطلب من الرئيس نفسه، هي رسالة إعتذار الى المسلمين على الإساءة التي بدرت منه، لا سيما أن المتعارف عليه دبلوماسيا وسياسيا أن الرؤساء والزعماء الكبار لديهم عدة وسائل للاعتذار، فقد يكون الاعتذار موقفاً، وقد يكون الاعتذار إشارة أو تلميحاً، لا سيما أن الزيارة هي لحفيدي الرسول الأعظم. وهنا تحضرني حادثة قد تكون مشابهة بعض الشيء لهذه، وهي عند زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الى العراق قبل سنوات، زار المرجع السيستاني وكان مما نقل عن المرجع قولة لاردوغان: إن زيارة الرئيس هذه قد تكون رسالة شكر للعراقيين في وقفتهم الى جانب الدولة العثمانية عام 1914.
إن العلاقات بين الدول لا يمكن لها أن تقف عند موقف واحد أو حالة واحدة تشحن بها الشعب وتثير غضبه ضد الدول الاخرى، بل لا بد من التجاوز وغض الطرف عن الكثير من المواقف لتحقيق المصلحة العامة للدولة، وأننا يجب أن لا ننظر الى العلاقات الدولية بعين واحدة وبنظرة الفرد القاصرة، فالدولة تحكمها إتفاقيات وعلاقات وقواعد دبلوماسية تحكم علاقتها بعضها مع البعض الاخر، إذ الدولة- بكل تأكيد- ليست كالفرد. 
وأخيراً بودي أن أختم برسالة الرئيس ماكرون التي دونها في سجل زيارات مكتبة الجوادين العامة ليطلع عليها القارئ، ليرى فيها حجم الاهتمام والتأثر بل والانبهار وهو يطلع على هذا الصرح المعرفي الذي يقف في عمره على أعتاب الثمانين عاماً، وكذلك المخطوطات التي إطلع عليها والتي كان عمر بعضها ألف سنة تقريباً، إذ يقول: ((بتأثر وتواضع كبيرين أشكركم على فتح أبواب مكتبتكم لنا. هذه الرحلة في مخطوطاتكم ستكون محفورة في ذاكرتي. آثار التاريخ الديني، معرفة الهوية، الحوارات الدائمة، هي نصوص أنا متأكد من انها ستساعد في إلقاء الكثير من الضوء على المستقبل. 
على أمل أن نكون قادرين على مساعدتكم على الاستمرار، مع احترام وثقة متبادلة.
وهنا لا بد لي من القول: إن الكاظمية وعتبتها المقدسة قد نجحت تماماً في استقبالها لهذا الضيف الذي خرج بانطباع مختلف تماما عما عكسته الحركات الاسلامية المتطرفة في بلاده، وهذه بلا شك نتيجة مهمة لهذه الزيارة، بل وغاية ما كانت تريد أن توصله له. 
 
 رئيس قسم الدراسات 
التاريخية في بيت الحكمة