الوباء والوفاء

اسرة ومجتمع 2021/09/04
...

أماني النداوي
تقوم العلاقات الأسرية والاجتماعية على تقاليد وقيم تعمل على تعزيز التضامن والتعاون والوفاء، خاصة في أوقات الأزمات والحروب والأوبئة، وربما لا يتبادر إلى الذهن، عند التفكير في جائحة كورونا، حالة «الصدمة النفسية» الناجمة عن تغيّر العلاقات بين الأفراد نتيجة الخوف والحذر والابتعاد القسري والقطيعة الاجتماعية، وذلك لأننا نركز دائما على أبعاد الجائحة الصحية والاقتصادية والبيئية والعلمية، ومن النادر أن يهتم أحد بالجانب الاجتماعي والأسري والانعكاسات السلوكية المرتبطة بانتشار الوباء، وحتى عند مناقشة التداعيات النفسية للوباء، سُلطت الأضواء على الاكتئاب والقلق والوحدة والضغوط النفسية، ولم تشغل مسألة العلاقات الأسرية القلقة المتوترة إلا حيزاً ضئيلاً من النقاشات والاهتمام رغم أهميتها. أثبتت الدراسات أن التجمعات والشبكات الاجتماعية وقيم التضامن والمساعدة في أوقات الكوارث والأحداث الصادمة التي تتعرض لها المجتمعات، تساعد المتضررين على التعافي من الصدمة النفسية وتخفف من معاناتهم، لكن في حالة جائحة (كوفيد- 19، أصبحت التجمعات مصدراً للمشكلات وتدعو التحذيرات الصحية إلى الابتعاد وعدم الاختلاط بين الأفراد، وبالأخص في داخل الأسر التي أصيب أحد أفرادها بالوباء، وبات الأقرباء يشعرون بالرعب عند الاقتراب من المصابين، وهناك شعور بالعجز عندما ترى أحد أفراد الأسرة يرقد أمامك وهو يحاول التنفس بصعوبة، ولا تستطيع مساعدته مثل غريق يواجه الموت منفرداً.
 المصاب بالوباء قد يشعر بالخذلان وعدم الوفاء عندما يجد نفسه وحيداً معزولاً في البيت أو المستشفى، وفي المقابل يجد اقرباءه أنفسهم في حالة من الصراع النفسي بين الرغبة في تقديم المساعدة والمساندة لمن يحتاجها، وقت الشدة، وبين مراعاة الحذر والوقاية الصحية خشية انتقال الوباء من شخص إلى آخر، نتيجة التواصل الاجتماعي والقرب المكاني، وتلك معادلة الوفاء الصعبة.  يقول ديفيد سترايكي، الطبيب النفسي وممثل مجلس الصدمة النفسية بالمملكة المتحدة: «عندما تتغير نظرتك لنفسك وللعالم وللآخرين وتنقلب رأساً على عقب بسبب حدث مؤلم، ستتحول الضغوط البسيطة المتلاحقة إلى صدمة نفسية، خاصة إذا رافق هذه الضغوط شعور مستديم وشديد بالعجز وانعدام الحيلة»، وهو يحاول أن يقدم تفسيراً علمياً ونفسياً لتداعيات الوباء على نفسية الفرد والأسرة،وقد لا تزول الذكريات المريرة إلا بعد مرور وقت طويل على انتهاء الظروف الصحية الصعبة، ولذلك من المهم ترميم الشروخ النفسية من خلال تعزيز العلاقات الأسرية وإعادة بناء مشاعر الثقة والمحبة في معالجة الأعراض الاجتماعية السلبية للوباء.