اندفاع الشباب للهجرة.. بحث عن هوية أخرى

اسرة ومجتمع 2021/09/17
...

  قاسم موزان
ما زال هاجس الهجرة الى الخارج الشغل الشاغل للشباب في دوامة اضطراب الاحداث في البلدان العربية ومنها العراق، بذرائع شتى منها توفر الامان وفرص عمل افضل او تمرير ابداعه، لكن ما يتحقق في الدول المستقطبة مخيب للامال لدى المهاجر، ويصاب عند ذاك بصدمة الغربة في بيئات لم يعتد عليها او ان وجوده يسبب ارباكا لها.    
 
 في هذا السياق قال د. عبد الواحد مشعل استاذعلم الاجتماع: ان ظاهرة الهجرة قد تزايدت بشكل لافت  في السنوات الماضية، فالهجرة قرار يتخذه الشاب ويعطي أبعادا نفسية وثقافية في حياته، فالاحباطات الفردية والفشل في تحقيق الذات وعدم القدرة على التدرج في شق الحياة بشكل يتلاءم مع سياق الحياة الطبيعية من تعليم وتأهيل وإبداع وإيجاد ثمرة منتظرة، لا سيما المساهمة في السيرورة الاجتماعية ضمن إطار الأسرة والمجتمع، تجعل الشباب في حالة اضطراب وقلق، فالآثار التي تحيط باتخاذ القرار تخضع الى صراع مع الذات، يتمثل في الفراق عن الأسرة في  مرحلة مبكرة، وهو أمر غير معتاد في ثقافة مجتمعنا القائمة على دعم أواصر العلاقات الداخلية في الأسرة والمجتمع المحلي. وتابع مشعل هذه الآثار لها عمق ودلالة في تماسك الأسرة واستمرارها، وهذا يعني أن تطلعات الفرد تعدت الحدود التقليدية والمعتادة في مجتمع مستقر. وغالبا ما يتأثر الشباب بأقاربهم في الخارج وما يسمعونه من توفر فرص عمل وتكوين ثروة وغير ذلك، إي الدافع يأتي عن طريق الدعاية عن نجاحات بعض الأفراد في المهجر، علميا للحصول على شهادات أكاديمية. وأضاف مشعل تترك الهجرة  آثارا نفسية واجتماعية واقتصادية في الأسرة. 
 
هوية ممزقة
  الهجرة اليوم ليست بهدف البحث عن عمل، إنّما هي طلَبُ أمنٍ مفقود، بحث عن هويّة ممزّقة، عن كيان مشرذم، عن ذاتٍ تائهة  هذا ما اشارت اليه  الباحثة في الجامعة اللبنانيّة د.نازك بدير، مضيفة باتت الهجرة بالنّسبة إلى اللبنانيّ بمثابة ثيمة ملازمة له، إذ يكاد لا يخلو بيت إلّا وفيه مهاجر أو ساع إلى الهجرة. واليوم، بعد الانهيار الاقتصاديّ، وفقدان الأمن الاجتماعي، وتراجع الخدمات الاستشفائيّة، وفقدان المستلزمات الطبيّة، وتداعي القطاعات الخدماتيّة كافّة، وجد الشّباب أنفسهم أمام خيار يتيم: الهجرة، أنّى كانت الوجهة، إلى حدٍّ غدا الحصول على التّأشيرة، والتّحرّر من أسْر المكان،.
وتابعت، المفارقة في موجة «الهجرة الثّالثة» أنّها تستهدف الطّاقات الشّابّة، التي كان يتمّ التّعويل عليها لبناء الدّولة، وإحداث التّغيير. لكن، مع هذه الهجرة الجماعيّة، يُفرَغ البلد تدريجيًّا من الملاكات الأساسيّة، لا سيّما الأطبّاء، أصحاب الخبرة والكفاءة، والممرّضين، والمعلّمين وأساتذة الجامعات. بينما، استهدفت الهجرتان، الأولى والثّانية، مختلف الشّرائح العمريّة تقريبًا. هذا الأمر سيترك تداعيات سلبيّة في المستقبل القريب.
 
تنظيم قوانين
الاستاذ الجامعي ومدرب التنمية البشرية زيرفان امين قال إن: الشباب طاقة بشرية كبيرة، تبحث عن بيئة ملائمة  ما تملكه من طاقات، ولكن وبفضل التكنولوجيا، والانترنيت ووسائل التواصل الاجتماعي، التي أصبحت نافذة شفافة تظهر خلفها معظم ما يجري في العالم، فجعلت من الشباب مطلعا تماماً، على الاحداث لحظة بلحظة. وبموازاة كل ذلك، نتساءل أين حكومات دولنا من كل ذلك؟، ألا يجدر بها أن تستفيد من هذه القوة النابضة والخلاقة، الامكانات الإبداعية؟، ألا يجب أن تحافظ عليها بخلق بيئة مناسبة لها، وتستجيب لمتطلباتها؟، وأن تمنعها من الهجرة بأية وسيلة كانت. يبدو أن الشباب ومتطلباتهم، في واد والحكومات وصانعي القرار والمؤثرين في مراكز بناء السياسات والستراتيجيات الوطنية في واد آخر. 
 
بيئة طاردة
الباحثة حبيبة بو عزيزي من تونس قالت، اصبح البلد الأصلي للمهاجر بيئة طاردة لأبنائها، حين يفقد فيها الإحساس بالأمان نتيجة الحروب أو مصادرة حرية الرأي، وهنا نتحدث عن اللجوء السياسي أو السفر بحثا عن بيئة مناسبة، ليكون المهاجر حرا في فكره ورأيه وممارساته.أو بحثا عن وضع مادي أفضل له ولأسرته مما يوفر له حياة كريمة تضمن إنسانيته، كما قد يكون الدافع غياب بعض التخصصات الدراسية أو استحالة انجاز بحوث علمية. وهذا كله يحيل إلى الحديث عن سياسات الدول العربية التي وإن اختلفت في بعض الخصوصيات، إلا أنها تشترك في غياب الرؤية والستراتيجية والتشبث بالكرسي والاهتمام بالمركز على حساب الضواحي، إضافة إلى المغريات المادية والاجتماعية والآفاق العلمية في البلدان المستقطبة والتي تتصدرها أميركا من حيث نسبة أصحاب الشهادات العلمية. أما عن الأسباب الذاتية. فهي تختلف من مجموعة لأخرى، فهي إما للعمل بأجر مغر وفي ظروف أحسن أو بسبب التحصيل العلمي.
 
تضاؤل الأمل
الصحفي عادل فاخر قال، الحال لم تكن وليدة اليوم، لكنها لأسباب وظروف مختلفة، أشدها هجرة العقول التي إزدادت في تسعينيات القرن الماضي وبطرق مختلفة بسبب تشديد شروط السفر، وفي ما مضى كانت الهجرة أسبابها سياسية أو للحصول على فرص أو ظروف معيشية أفضل، لكن أسبابها إزدادت وتشعبت اليوم. ومع تضاؤل الأمل بمستقبل أفضل، ازدادت الهجرة وفي الغالب من يرغبون بها  هم من الذين يودون العيش في بلدان تسودها القوانين لضمان حقوقهم ومستقبل أفضل لأبنائهم وهؤلاء تكون وجهتهم إلى أوروبا، طالما لديهم القدرة على الإدماج في مجتمعاتها، ولعل جل الذين هاجروا ينشدون السلام وهم يحلمون بحياة أفضل، خاصة أن بعض الدول التي تحترم حقوق الإنسان وتوفر للمهاجرين أو اللاجئين المساكن وفرص العمل.
 
مسؤولية
وتحدثت الناشطة كرمل عبد عقيل بلمسة ايجابية تبعدنا عن الواقع المؤلم الذي نعيش فيه والذي نجد فيه كل ما يدفع الشاب الى الهجرة وليس العكس والجميع على اطلاع بذلك. الحب حينما يربط بين اي اثنين يكون مصدر طاقة ايجابية فلا يعودان ويريان سلبيات بعضهما، فعين الرضا عن كل عيب كليلة. وهذه الطاقة تدفعهم للتضحية احيانا بكثير من الامور، وصولا الى التضحية بالنفس في سبيل من يحبونه. أليست التضحية بالنفس أسمى انواع التضحية؟ فكيف تبني الأوطان الانسان او يبني الانسان الأوطان؟ كي نبني هذه العلاقة الحبية بين الانسان ووطنه، نحتاج أن تعمل جميع المؤسسات على ذلك.