ربح الشهرة.. وخسر نفسه!!

الرياضة 2021/09/19
...

علي رياح  

تاريخ الكرة العراقيَّة حافل بالعبر ومدين للاعبين لهم وزنهم، ستبقى أجيال متلاحقة مدينة لهم.. وسيقترن ذكرهم بإنجازات لا تتكرر بسهولة في ميدان الكرة.  
وبين هذه العبر التي تسكن مكاناً عزيزاً في القلوب، الراحل كاظم وعل نجم فريق نادي الطيران (القوة الجوية) ومنتخباتنا المختلفة، وهو اللاعب الذي دخل دائرة الشهرة بسرعة فائقة، وحقق ما لم يحققه لاعب عراقي في فترة وجوده القصيرة، مالت شمسه إلى الغروب بإصابة تعرض لها ولم تمهل بقاءه في الملاعب، ففضل أن ينزوي بعيداً عن الكرة وهمومها، قبل أن يغادرنا في صمت ووجع إلى دار الحق في التاسع عشر من شهر أيلول قبل أربع سنوات! 
كاظم وعل– أو كاظم بطل كما كان يسميه المعلق الكويتي الشهير خالد الحربان– ينتمي إلى جيل السبعينيات الثاني، فبعد عام 1973 بدأ هذا اللاعب بالكشف عن قدراته مع فريق البريد ثم انضم لفريق الصقور وكان المهاجم المتميز الذي أرعب حراس المرمى وأحرز في شباكهم أجمل الأهداف، ولا سيما برأسه الذهبية وتصويباته من وضع الطائر.. وكان بذلك يضيف نجاحاً جديداً للأسرة الرياضية التي ينتمي إليها، إذ إنَّ أباه (وعل محسن) كان لاعباً معروفاً في فرق الشرطة خلال العقد الخمسيني.  
عام 1974 كان نقطة التحول في مسيرة الراحل كاظم وعل حين انضمّ لصفوف منتخب الشباب، وبعد عام واحد قاد المنتخب للفوز ببطولة شباب آسيا في الكويت فضلاً عن إحرازه لقب هداف آسيا.. ولعام آخر قاد منتخب الشباب في بطولة آسيا ثم رسخ حضوره الفاعل في المنتخب الوطني، وكان يشكل مع فلاح حسن وعلي كاظم وأحمد صبحي نخبة الدعامة الهجومية العراقية التي يهابها أقوى المدافعين وحراس المرمى.  
لم يخض كاظم وعل سوى (20) مباراة دولية أحرز فيها أهدافاً جميلة لا تمحى من الذاكرة بسهولة ومنها هدفه الرائع في مرمى منتخب يوغسلافيا عام 1977 وكان هدف الفوز لمنتخبنا، وكذلك هدفاه في مرمى البحرين والسعودية ضمن بطولة الخليج العربي الرابعة في الدوحة، أما أجمل أهدافه على الإطلاق، فقد أحرزه في مرمى فريق الزوراء عام 1975. 
لم يخف كاظم وعل تأثره الشديد بالمهاجم عمو بابا، وكان مولعاً في طفولته بمتابعة مبارياته وتأمل تحركاته في الملعب، وازداد كاظم إعجابا بأيقونة الكرة العراقية عندما لعب تحت إشرافه في المنتخب.. وكان يقول لي إنَّ أهم اللاعبين الذين زاملهم أو واجههم في الملعب طوال وجوده في الملعب، فلاح حسن وحازم جسام وهادي أحمد.  
تميّز وعل بين لاعبي جيله كذلك بقدرته على المراوغة وتسجيل الأهداف الصعبة، وغالباً ما كان يحلـّق في الهواء ويتفوق على حراس المرمى بمسافة ليقتنص منهم الكرات.. ويشهد تاريخ الكرة العراقية ماضياً وحاضراً، بهذه الميزة لكاظم، رغم أنها كانت السبب في ابتعاده عن الملاعب نتيجة إصابة في العمود الفقري خلال قفزة له في الملاعب وهو في ريعان شبابه، وفي عنفوانه، وفي قمة النضوج الكروي. 
نال هذا الصقر الجوي الراحل الشهرة مبكرا، لكنه خسر نفسه بإهمال علاجه في مرحلة مبكرة من الإصابة، فقد تهاون في ذلك كثيرا خلال الأيام والأسابيع الأولى.. الثابت لدى كل من عرفه أنه أفنى أجمل سنوات عمره في سبيل الكرة.. فمنحته حب الناس، والشهرة، والمكانة المرموقة بين اللاعبين.. وهذا هو الحُكم العادل الذي لا إجحاف فيه لأي مبدع يقدم للناس فنه وزهرة عمره.