انقـلاب المعايـير!

الرياضة 2021/09/27
...

علي رياح  
المواهب في كرة القدم لدينا كثيرة، هذا إذا بسطنا خارطة العراق على امتدادها، وألقينا نظرة على مشاريع النجوم في أعمار البراعم وما بعدها. ولكن هذا الطرف من المعادلة لا يستقيم مع حقيقة الطرف الثاني، وهي أننا نعيش زمن ندرة النجوم على مستوى الدوري العراقي، وصولا إلى منتخبنا الحالي الذي بات موضع جدل كبير حول افتقاره إلى لاعبين بالمواصفات المعهودة أو المتفق عليها للنجوم. 
هذه الفجوة العميقة في المعادلة لها أسبابها التي لم تعد خافية.. أحد معارفي الذي تجاوز السبعين من عمره يردّد ما يستند إليه كثيرون غيره: اختفاء الفرق الشعبية هو السر.. وكان ردّي عليه جاهزا: صحيح أن هذا التقليد الذي كان يمد أوصال الكرة العراقية بلاعبين يرقون إلى مستوى وصفهم بالنجوم، لكن الصحيح أيضا أن أغلب أنديتنا فتحت الباب منذ سنين طويلة أمام اللاعبين من مختلف المراحل كي ينالوا حظ التدريب والتطور، ومن ثم البروز مع الأندية.  
بعد جدل طويل، وأخذ ورد، قلت للرجل الغارق بذكريات الكرة العراقية ومآثر نجومها: المواهب في بلد يبلغ تعداده أربعين مليون نسمة موجودة، ومهما اختلفنا على طبيعة المدربين الذين يتعاملون معهم، فإن العملية مستمرة، وأظن أن واحدة من الحلقات المفقودة هنا هي تركيبة اللاعبين أنفسهم.. مواهب كثيرة نفقدها باستمرار لمجرد أن وجودها في الملاعب صار مرتبطا بتأمين جانب من المستقبل، وأنا هنا لا أعني مستقبل اللعب والتطور فيه، وإنما اتحدث عن الجانب المادي الذي يتعلق بنيل اللاعب أول فرصة احترافية داخلية أو خارجية كي يحقق لنفسه أو لأسرته قليلا أو كثيرا من متطلبات الحياة الصعبة، ثم نرى الخط البياني لمستواه وقد انحدر على نحو يثير العجب لمن لا يتوقف كثيرا عند هذه النقطة.  
المشهد كله بمؤدّاه لا بدّ من أن ينعكس على المنتخب الذي لم نعد نجد فيه لاعبين يحتفظون بصورة البدايات المشرقة الواعدة التي تفتح أمامنا شهية الإنجاز.. ولهذا اختلفت المعايير، ولم تعد مطالبنا تتحدث عن منتخب فيه ركائز معدودة من اللاعبين المميزين – وهو في الواقع ليس كله نجوما – كما هو شأن منتخب بطل آسيا عام 2007، إنما صارت هذه المطالب تفتش عن لاعب لديه البعض من المقبولية ويتميز بالقدرة على الاستمرار في تدفق عطائه ولو لأسابيع قليلة متصلة.  
الموضوع بمجمله شائك ويحتمل مبررات وتفسيرات لدى كل منا.. وأظن أن أكثر ما يشغله هذا الأمر المدرب أدفوكات الذي جرّب حتى الآن أدواته، وأعني بها خلاصة أو نخبة اللاعبين من الدوري المحلي، ثم منح نفسه فرصة تأمل الإمكانيات الحقيقية الميدانية لعدد ليس قليلا من اللاعبين المحترفين أو المغتربين، ولديّ اليقين بأن الرجل في حاجة إلى أن يقنعه كثير من اللاعبين بجدوى إبقائهم أو ضمهم إلى منتخب يفترض أنه يريد التأهل إلى المونديال، والنتيجة التي سيصل إليها الرجل أنه سيجري قليلا من التغيير وسيستبقي معظم الأسماء المتاحة أمامه.  
في الفترات الأولى لعمله في مدرسته الكروية على الساحة التدريبية لملعب الشعب الدولي، سألت عمو بابا عما يمكن أن يؤديه إليه عمله مع البراعم والصغار بعد أن اعتزل العمل مع فرق الكبار.. كان ردّه غريبا في ذلك الوقت – عام 2003 - قال: هنا لدينا المواهب، وفي الأندية عشرات غيرهم.. لا أخشى على مستقبل الكرة العراقية ومنتخبات العراق إلا من تبعات الثروات المفاجئة عليهم.