عدنان أبوزيد
علامات نتائج الامتحانات ليست رفاهيَّة، وهي تتجاوز كونها إشعارا للطالب وأسرته بالغبطة، إلى اعتبارها أرقاما تحدد مصير جيل بأكمله، وتقيس موقعه بين أجيال الأمم على خارطة المعرفة، وإنّ استسهال منحها باعتباطية، لا يخضع لمسطرة الجدية والصدق والتقييم الحقيقي، سوف يلحق كارثة عظيمة بالأمة.
منْح العلامات للطلاب في معاهد العلم، مقدّس، فهو المقياس لجهد الطالب ورجاحة عقله، وهو الدليل على رصانة الجهات الاكاديمية التي تمنحها، وفي الدول المتطورة في مجال التعليم والتربية، تجد من الطلاب من يرسب بسبب اعشار الدرجة، بينما لا يحصل أكثر الطلاب نبوغا على معدل لا يتجاوز الستين او السبعين، لان المدارس والمعاهد والكليات، لا تمنح علامات التقييم جزافا، كي لا يحل فقير المعرفة محل الغنيّ بها، وكي يسود صاحب الابتكار والعالِم، وكي لا يُتاح للكسول، والأمي وغير المبدع، الصعود إلى الواجهة.
في نتائج العراق لنهائي الدراسة الثانوية، حيث يُقبل الطالب على الجامعة، تختفي الدرجات السيئة، بشكل مفرط، بينما تزدهر الاحلام العريضة التي تراود الطلاب، ولا يدرك الكثير منهم انهم ضحية التعليم الخاطئ، والمعادلة غير المتوازنة، بعد أن أوهمهم النظام التعليمي أنَّ الحصول على معدل 99 و100 أمر يسير وسوف يفتح لهم الآفاق على وسعها، ليجدوا أنفسهم لاحقا أمام كذبة كبرى، اما الطالب الذكي فيعتريه اليأس، لأنه تساوى مع الأقل شأنا في المستوى العلمي، والاقل جهدا في البحث.
وحصول الغالبية العظمى من الطلاب على درجات تقترب من الكمال وهي المئة، يبدو شأنا غير منطقي، وقد يقود ذلك إلى انجرار الجيل الجديد إلى سلوك غير موضوعي أيضا، وتصرف ساذج، وتقبّل الكذب والخداع، والاعتقاد بان الفشل والنجاح وجهان لعملة واحدة. الشعوب المتحضرة تعظم التقييم، والمعاهد والمدارس المحترمة، تعد علامات الطلاب مقدسة، لأنها غربال ترشيح، يمر من خلاله الناجح، وتضيق نوافذه على الجاهل، فترى بونا شاسعا بين علامات الكسول والشاطر، بعد أن توضع الأسئلة الصعبة والابداعية، والابتكارية التي تتطلب التفكير الصحيح، والحلول السريعة، فترى النبيه بالكاد ينجح فيها، ولا يحصل حتى أكثر الافراد تفوقا على درجات عالية.
الكثير من المعاهد ونظم التربية ما عادت تؤمن بالدرجات المُتحصَّل عليها بالحفظ والتلقين، لأنها تخلق بيئة تقيّد الابتكار والإبداع، وتُضيّع بوصلة الهدف لتحل محلها المهارات الشخصية والهواية، والتدريب والتوجيه، ليكتشف الطالب نفسه في أي المجالات يمكنه الابداع.
قال أينشتاين ذات مرة: "الجميع عبقريّ في مجاله، وإذا حكمت على سمكة من خلال قدرتها على تسلق شجرة، فستعيش حياتها كلها معتقدة أنها
غبية".
العباقرة مثل توماس جيفرسون، ورينيه ديكارت، وويليام شكسبير، وجاليليو، وأفلاطون، لم يفتخروا بعلامات مميزة في الدراسة، لكن البحث والتحليل الذي انتجوه، جعلهم قادة المعرفة.