في التثقيف الانتخابي.. كيف السبيل إلى الخلاص؟

العراق 2021/10/10
...

  عبد الكريم طعمة مهدي كعب* / تصوير خضير العتابي
أخيراً، لابد أن نصل لهذه المحطة، و أن نواجه هذا السؤال؛ ما هو الحل؟ ماهو الطريق للخلاص من وضعنا الذي يصفه أعلى مسؤول في الدولة بأتعس الصفات؛ تفشيا و تجذرا للفساد، وعدم سيطرة الدولة على شؤونها، جماعات خارج سيطرة الدولة، ترديا في الخدمات الأساسية، الى آخر هذه الصفات السلبية. أما رأي الشعب بما وصلنا أليه، فهو أتعس و أمرّ من ذلك، ثم الأدهى و الأنكى من ذلك هو انسداد ابواب الأمل في وجوه شبابنا.  
ابتداءً، نقول انه لا حياة مع اليأس. فالذي يعتقد أنه قد انسدّتْ أبواب النجاة جميعها، نقول له ان التاريخ قد علّمنا أن التغيير قادم حتماً، لكن كيف؟ وعلى يديّ مَنْ؟ هذا موضوع بحث. كذلك فان المؤمنين بالله تعالى لابد أن تتعلّق قلوبهم بالفرج الالهي مهما أسودّتْ الأيام، نعم فهو تعالى يملك الأسباب وهي مستجيبةٌ لارادته و مسرعةٌ لمشيئته. 
لكن كيف الخلاص؟ لنناقش سُبُل الخلاص الممكنة في بلدنا الحبيب. تأريخياً كان تغيير الأنظمة في العراق في التأريخ الحديث يحصل بأحد طريقين: الأول هو الانقلابات العسكرية. اما الثاني فهو التغيير المباشر الذي تجريه قوى دولية كبرى، كما حدث في تأسيس الدولة العراقية الحديثة قبل أكثر من مئة عام، إذ قامت به بريطانيا العظمى، و التغيير الأخير الذي قامت به الولايات المتحدة الأمريكية في 2003. فهل من الممكن حدوث التغيير باحدى هاتين الطريقتين في الوقت الحاضر؟ الجواب: نعم ممكن، وهو ليس مستحيلاً! لكن لنسأل بطريقة أخرى تنسجم مع عنوان المقال فنقول: هل سيتحقق الخلاص والاصلاح باحدى هاتين الطريقتين؟ الجواب؛ كلا، لأن التغيير على يد القوى الكبرى هو الذي أوصلنا لهذا الحال الذي لا يُسِرُ صديقاً، وما كنا نتخيّل أن نصل اليه في يومٍ من الأيام، فلا خلاص على الاطلاق يأتي من دولة أجنبية، لاسيما الدول الكبرى منها. أما الانقلابات العسكرية ففي واقعنا اليوم نجدها بعيدة الاحتمال، ومن جانبٍ آخر، فكلِّ انقلاب عسكري هو مغامرة غير مضمونة النتائج، وغالباً هي ليست في صالح الشعب. فما الحل اذن؟ وكيف الخلاص؟ نقول الحل هو في نهضة الأمة الشاملة و المستمرّة والمتصاعدة، و هذا الأمر نراه بعيد المنال فعناصر هذه النهضة غير ناضجة حالياً في العراق. 
 
الحلُّ في الديمقراطية
الحل الأخير يكمن في التغيير التدريجي عن طريق صناديق الاقتراع، ومن خلال العملية الديمقراطية. لأن المسار الديمقراطي يعني في النهاية طريقاً عملياً للخلاص. هنا نواجه تساؤلاً استنكارياً، من غالبية أبناء شعبنا وهو؛ لقد جرّبنا الأنتخابات لمراتٍ منذ عام 2003، و كانت هذه هي النتيجة كما وصفناها في بداية هذا المقال، فهل يُعقَل أن نكرّر التجربة، لكي تجيء ذات الحكومات، وتحكم الوجوه نفسها التي تسيّدتْ المشهد السياسي منذ عام 2003، أو بكلمة أخرى ان الديمقراطية متمثّلةً بأبرز ممارساتها، وهي الانتخابات، قد جرّبناها، و لم تجلب لنا سوى المزيد من الفشل و التقهقر، فلماذا نعيد الكرّة و نكرر الخطأ نفسه؟  أقول انه تساؤل في محله و منطقي، لكن لابد أن نقف، وأن نواجه أنفسنا قبل الاستمرار في الحديث. فنقول: إننا كشعب لم نؤد واجبنا الصحيح وهو صنع البديل الصالح للطبقة السياسية التي تسيّدتْ المشهد منذ 2003، نعم ربما ثار الشعب و تظاهر بالآلاف و في أكثر من مدينة، لاسيما مدن الوسط و الجنوب، وكرر التظاهرات في أكثر من عام، حتى وصلت الى أن تكون تظاهرات شبه شاملة في كل مدن الوسط و الجنوب، و أدّتْ فيما أدّتْ الى استقالة الحكومة السابقة، لكن هذا لا يكفي لاحداث التغيير وتحقيق الاصلاح الفعلي للأوضاع في البلاد. فلابد من صنع البديل السياسي والحزبي ثم الالتفاف حوله وتصعيده عن طريق صناديق الاقتراع، وبالتالي تمكينه من الحكم، ومن ثم مراقبته لعله يُحسِنُ صنعاً. فهل صنعنا البديل؟ الجواب الواضح والذي يلمسه كل مراقب من خلال ملاحظة لافتات الدعايات الانتخابية للمرشحين للانتخابات القادمة، فنكاد لا نجد سوى الواجهات القديمة نفسها، ربما مع بعض التجديد في الوجوه المطروحة، لكن أغلبها ضمن الاطار نفسه و تحت الرموز ذاتها. لذلك ينبغي أن نفكر بعقلانية وتروٍ، وأن نجد ماذا يمكننا فعله ضمن الموجود الفعلي. فنقول  ربما يمكننا تحقيق بعض التغيير، ولا نتوقّع أنه سيكون تغييراً جذرياً و سريعاً، لكنه قد يضع أرجلنا على سكة الخلاص إن أحسنّا الخيارات.  وفي هذا السياق لابد من ذكر أنه قد حصل تقدّم نسبي في العملية الديمقراطية في العراق في السنتين الماضيتين وبعد تظاهرات كبيرة عمّتْ الوسط و الجنوب. لقد تحقق بعض التقدّم بالاتجاه الصحيح، فتم تغيير قانون الأنتخابات وتم تقسيم البلد الى دوائر متعددة. صحيح أنه ليس الأمثل و الأكمل، لكنه خطوة في الاتجاه الصحيح، ربما يأتي اليوم و يتم تغيير القانون بشكل تام و صحيح و أن يتم انتقاء مفوضية الانتخابات بطريقة أخرى أكثر حيادية و الأهم هو تقسيم البلاد الى دوائر انتخابية بعدد مقاعد البرلمان، وأن يفوز المرشح الذي يحوز أكثر من خمسين بالمئة من الناخبين وأن ننتهي من الحصص و الكوتات الثابتة مثل كوتا النساء التي تفرض اختيار سيدة من كل أربعة فائزين، يعني أننا نجازف بربع الأصوات فقط لتحقيق نسبة النساء المفروضة، و الأولى أن تتنافس النساء مع الرجال على صعيد واحد وبمساواة تامة. لذلك سيكون كلامنا ضمن الممكن والموجود فعلاً.
 
*سفير دائرة اوربا في وزارة الخارجية