هل تنجح إيران في إعادة صياغة مسار فيينا؟

قضايا عربية ودولية 2021/10/12
...

محمد صالح صدقيان 
يبدو أن المسؤول الأميركي "الكبير" لم يكن يمتلك كثيراً من الدقة عندما قال: إن بلاده تمتلك "الخطة ب" للتعاطي بها مع إيران إذا فشلت مفاوضات فيينا النووية أو إذا تملصت من العودة لطاولة المفاوضات لإرغامها القبول بالشروط الأميركية لإحياء الاتفاق النووي المتعثر منذ انسحاب الولايات المتحدة منه عام 2017. 
منذ الزيارة التي قام بها رئيس المخابرات المركزية الأميركية وليام بيرنز للكيان الاسرائيلي في آب الماضي، بدا واضحاً أن واشنطن تريد اقناع الإسرائيليين بضرورة إحياء الاتفاق النووي لما له من مصلحة لهم وللمنطقة، وبدا واضحا أيضاً أن "واشنطن - بايدن" أضعف بكثير من "واشنطن – أوباما" حيث تقف عاجزة عن تجاوز اللوبي الاسرائيلي في الولايات المتحدة كما تم تجاوزه من قبل الرئيس الأميركي السابق باراك اوباما عندما توصل مع المجموعة الغربية للاتفاق عام 2015.
الإدارة الاميركية تعلم أنها أمام خيارين، إما مفاوضة إيران في ظل نسبة تخصيب اليورانيوم الحالية وهي 60 %، أو أنها ستكون مجبرة علی مفاوضتها وهي تملك اليورانيوم المخصب بنسبة 90 %، ويعتقد الخبير الأميركي في "مجموعة الأزمات الدولية" أن الاتفاق النووي أسهل الخيارات المطروحة لاحتواء إيران.
علی هذه القاعدة يبدو أن المسؤول الأميركي "الكبير" الذي تحدث عن "الخطة ب" لا يتمتع بالذكاء السياسي لأنه نسي أن المرحلة الذهبية التي كانت في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب بثلاثيها "بومبيو - كوشنير - بولتون" لم تتمكن من تنفيذ "الخطة ب" التي كانت موضوعة علی طاولة البيت الأبيض.
يرى الكاتب اللبناني راجح الخوري أن "المرشد علي خامنئي بات يتصرف علی أن بايدن المنهك من أفغانستان الی الخلاف مع الفرنسيين، هو الذي يركض وراءه، وأنه لن يقبل في فيينا إلا بالشروط الإيرانية التي تناسبه".
"نقطة الضعف" التي تعتقد بها الولايات المتحدة عند الإيرانيين هي الحصار الاقتصادي ولا يمكن إنكارها بأي شكل من الأشكال، لكن المتابع لهذا الشأن يدرك بوضوح نجاح إيران الی حد بعيد في تجاوز تداعيات هذا الحصار والالتفاف عليه بالرغم من المشكلات المتعددة التي سببها الحصار علی اقتصاديات العائلة الإيرانية، أما المسار الآخر وهي الاستدارة التي أحدثتها القيادة الإيرانية بالتوجه نحو الشرق وتحديداً الصين التي هي أفضل لإيران من أميركا وربما من الغرب كلّه، لأن التعامل معها يكون بطرق بديلة عن الدولار، ولأن أسواقها ضخمة، ولأن إيران محطة مهمة في مبادرة "الحزام والطريق" التي تعمل الصين علی تنفيذها. 
علی هذه القاعدة تستند عملية تشكيل الفريق الإيراني المفاوض الذي يقود المفاوضات في فيينا الشهر المقبل علی الأرجح، كما يقول مسؤول إيراني كبير، وأن المفاوض الإيراني سوف لن يضع جميع ما يملك من البيض في السلة الغربية كما كانت خلال الجولات السابقة من المفاوضات، وأنه سيتحرر، يضيف هذا المسؤول، من الكثير من القيود التي كانت في المفاوضات السابقة. هذه الأفكار والتصورات كما يقول المسؤول الإيراني كانت حاضرة خلال الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الإيراني أمير عبد اللهيان الی موسكو الأسبوع الماضي، وقبل أن يلتقي نظيره الروسي سيرغي لافرورف، اتصل الأخير بنظيره الأميركي بلينكن ليعرف منه ما يريد فعله في الملف الإيراني.
المعلومات الإيرانية تتحدث عن استكمال طهران مشاوراتها وتصوراتها بشأن آلية عودة مسار فيينا وهي بصدد إبلاغ الجانب الغربي بجهوزيتها لاستئناف المفاوضات، وتبقی الإرادة التي تتمتع بها الولايات المتحدة التي انسحبت من الاتفاق النووي وتريد العودة اليه، هل أن هذه العودة ضمن المصداقية التي يبحث عنها الرئيس جو بايدن؟ أم أنه يريد البقاء في الدائرة الاسرائيلية التي كانت جزءا من ضياع المصداقية الأميركية؟.