علي حسن الفواز
تحتاج الديمقراطية الى إدامة، مثل كل المفاهيم التي نستعملها في حياتنا السياسية والاجتماعية والثقافية، والتي ستمنحها قوة اضافية، وتجدد جهازها المفاهيمي، وادواتها، وآليات تطبيقها في المجالات المتعددة ومنها مايتعلق بالانتخابات والتداول السلمي للسلطة، وبعكس ذلك فإن الديمقراطية ستفقد معناها، وقيمتها، وتصبح فكرة جامدة، وجزءا من الصراع وتعقيداته السياسية والجماعوية.
حاجتنا للديمقراطية باتت أمرا تاريخيا واخلاقيا، وحاجة لتجاوز عقد الماضي وإشكالاته، لاسيما اننا نملك إرثا غائرا من الحكم الاستبدادي، ومن العنف السلطوي، ومن هيمنة المركزيات العصابية والعسكرية، وهذا ما يجعل الرهان على الديمقراطية خيارا للتطهير، ولتغيير مسار التاريخ العنفي، على مستوى إعطاء توصيف انساني لحيازة السلطة، أوعلى مستوى مواجهة صناعة الديكتاتور.
وبقطع النظر عن ما جرى في الانتخابات، وماتمخض عنها من نتائج، ومن معطيات، فإن وعي الديمقراطية يتطلب اولا حماية مؤسسات الديمقراطية ذاتها، وثانيا العمل على التعاطي مع الاعتراضات وفق القانون، وبما يحفظ للدولة هيبتها، وللجمهور حقه في الاعتراض، وثالثا ايجاد مسارات أكثر فعالية للحوار السياسي بين الفرقاء، بعيدا عن ذاكرة العنف والتهديد، وبالاطار الذي يجعل واقع العمل الانتخابي وممارسته محطّ احترام وتقدير، وليس نبذا وشكا، وبالتالي سنكون أمام خيارات صعبة لإعادة انتاج الصراع والخلاف والتقاطع، وإرباك المشهد السياسي والمشهد الأمني اللذين مازالا يواجهان تحديات كبرى، تتطلب مزيدا من الوعي، والالتزام والتفاعل.
تجربتنا الجديدة في الديمقراطية تحتاج الى مزيدٍ من الثقة، ومزيدٍ من النضج، ورغم مايبرز هنا أو هناك من "أخطاء" قد تحدث، بنيةٍ، أو بغير نيّة، فإن الأمر يتطلب التروي باتخاذ أي موقف، حفاظا على السلم الأهلي من جانب، وعدم إعطاء من يتربص بالعملية السياسية فرصة للتجاوز عليها من جانب آخر، واحسب أن تفعيل الحوار والخيارات الديمقراطية الدستورية كفيلة بمعالجة مايجري، وحتى اللجوء الى المحكمة الاتحادية لحسم المشكلات والخلافات سيدخل في سياق تلك الخيارات، لأن الثقة بالمؤسسات هي مايجعل المواطن يثق بالدولة والقانون وبالديمقراطية ذاتها، وان التفريط بكل المكتسبات الديمقراطية التي تحققت طوال هذه السنوات سيكون خيارا سلبيا، ورهانا على ذاكرة محشوة بالأوهام التي تقود
الى المتاهة.