محمد صالح صدقيان
في المثل؛ أن مجنوناً ألقی حجراً في بئر عجز عن إخراجه 100 من العقلاء، وفي الواقع أن رئيساً للولايات المتحدة قام بخطوة انسحاب من اتفاق تم التوصل إليه عبر مجموعة دولية ضمت أعضاء مجلس الأمن الدولي، بإضافة ألمانيا، للجم الطموحات الإيرانية النووية مقابل إلغاء عقوبات اقتصادية، بعدما انسحب من “الاتفاق النووي” وتنصّل من تنفيذ القرار الأممي2231 الذي احتضن هذا الاتفاق الذي لم تنفذه أي من الدول المعنية ماعدا إيران التي قامت بإعادة صياغة برنامجها النووي علی قاعدة القرار الأممي 2231.
اعتقد الرئيس دونالد ترامب بأن التوقيع علی بيان الانسحاب من الاتفاق النووي “أمرٌ هين”، وقد وفی بعهده “كما قال” ليضع البرنامج النووي الإيراني علی “كف عفريت”، بعدما قررت إيران اتخاذ خطوات تصعيدية في نسب تخصيب اليورانيوم بعد انسحاب الولايات المتحدة وتملص الدول الأوروبية من تنفيذ الاتفاق النووي وبنود القرار 2231.
أطراف متعددة دخلت علی خط هذه العقدة التي سببها الرئيس الأميركي السابق، كٌلٌ يريد استغلالها لتفصيلها علی مقاساته تحقيقا لأهداف عصيّة عليه بعدما اعتقدت هذه الأطراف بأن الوقت قد حان لمحاصرة إيران في حلبة المصارعة.
ربما يكون الكيان الاسرائيلي أكثر نشاطاً من غيره لاستغلال مثل هذه العقد، والحق يقال أنه متمرس بذلك بدرجة عالية من الخباثة لاِحكام الطوق علی إيران. شخصيات هذا الكيان ذهبت الی العواصم الاوروبية والاميركية وروسيا، رافعة الخطط البديلة والخيارات الاخری، ناهيك عن المحيط الاقليمي من أجل حصر إيران في زاوية الحلبة لتقديم تنازلات علی مستوی تفكيك صداقاتها مع الاقليم وتأمين “الامن الاسرائيلي” مقابل مغريات يسيل لها اللعاب.
نحن نتحدث الآن قبل أيام من الاجتماع المرتقب الذي يعقد في بروكسل بين إيران والمجموعة الغربية. هذا الاجتماع وصف بأنه “تمهيدي” قبل استئناف مسار فيينا. المبعوث الاميركي للشأن الايراني روبرت مالي التقی مندوبين عن الترويكا الاوروبية في باريس نهاية الاسبوع الفائت بعد جولة قام بها علی عدد من دول المنطقة.
التحرك الاميركي أراد تعزيز موقفه بعد مشاورات اجراها في المنطقة وفي اوروبا؛ بينما سارت ايران بمسارين؛ الاول التاكيد علی علاقاتها الاقليمية علی خلفية زيارة وزير الخارجية امير عبد اللهيان لكل من لبنان وسوريا وقبلهما العراق؛ بينما كان الثاني التشاور مع الصديقين الروسي والصيني قبل الاعلان عن جهوزيتها لاسئناف مسار فيينا.
لم يترشح الكثير عن لقاء روبرت مالي مع المندوبين الغربيين في باريس، لكن اجتماع بروكسل سيضع الكثير من النقاط علی حروف عاصمة “الأنس” فيينا.
ايران قالت انها مستعدة للعودة عن خطواتها التصعيدية النووية في حال تم احياء الاتفاق النووي بعد الغاء العقوبات والابقاء علی نسبة تخصيب 3.67. الولايات المتحدة مستعجلة في العودة للمفاوضات لانها تعلم ان خيار ايران القادم هو التخصيب بنسبة 90 %، اميركا تعلم واسرائيل معها ان ايران لا تريد انتاج السلاح النووي حتی وإن امتلكت يورانيوم عالي التخصيب، لكنها تعلم ان وجود مثل هذا الوقود بيد ايران هو تهديد جيو ستراتيجي لاسرائيل، وهذا وحده يعتبر عامل تهديد للأمن القومي الاسرائيلي لايقل خطورة عن صواريخها البالستية.
صحيح أن المصارع الايراني موجود في حلبة النزاع، لكنه يتحرك بسرعة وحذر وفق قواعد اللعبة التي يتقن فنونها، لكن الصحيح ايضا ان الاميركي لا يريد الاستسلام للشروط الايرانية التي تعتبر صادمة له ولحلفائه. هناك حالة ثالثة وهي رابح - رابح. هل هذا ممكن؟ نعتقد نعم عندما تصاغ مباحثات فيينا علی هذه القاعدة بالشكل الذي تتحقق فيه مصالح جميع الاطراف المعنية بالاتفاق النووي.