سـاعـة بـقـرب الحـبيـب!

الرياضة 2021/11/01
...

علي رياح  

طبقا لما أملك من معلومات - وأرجو أن يصحح لي من يملك اليقين – فإن ديك أدفوكات لم يغب تماما عن الأرض العراقية، وإنه تواجد عليها، ولكن لمدة ساعة واحدة فقط هي فترة الانتظار التي أمضاها في مطار بغداد الدولي قبل اصطحاب المنتخب بطائرة خاصة إلى العاصمة الكورية الجنوبية سول (تـُلفظ سول وليس سيئول كما يجري على ألسنة الكثيرين!)، هذا يعني براءة المدرب الهولندي من تهمة الانقطاع تماما عن العراق بعد التعاقد مع اتحاد الكرة، وأنه لم ينقطع عن الهم العراقي، فالساعة الوحيدة التي أمضاها بين ظهرانينا تكفي للاطلاع على الواقع، وعلى الخوض في التفاصيل، وعلى بناء تصور كامل عن منتخب يفترض أنه يسعى للحصول على احدى تذاكر الصعود إلى المونديال.. إنها ساعة كانت كافية وفقاً لمنظور الراحل فريد الأطرش حين شنـّـفَ الأسماع برائعته (ساعة بقرب الحبيب.. أحلى أمل في الحياة). 
والواقع أن كل هذه المعرفة (الواسعة) التي يحملها أدفوكات عن العراق، وكرة العراق، ومنتخب العراق، لم تكن لتستفزني لولا أن هنالك اتفاقاً تحت الطاولة أو فوقها قد تمَّ معه على ألا يعمل من الأرض العراقية إلا بعد رفع الحظر الجائر المقيت المفروض على إجراء المباريات الدولية أو الخارجية لفرقنا في العراق تحت ذريعة أمنية أو تنظيمية.  
لقد تأكـّد لي أن مثل هذا الاتفاق موجود ولو على صعيد المشافهة، ودليلي في ذلك أنني قرأت تصريحا لمسؤول في اتحاد الكرة يقول فيه إن أدفوكات سيتواجد هنا وسيعمل انطلاقا من الملاعب العراقية بمجرد أن يُرفعَ عنها الحظر.  
هذه سابقة السوابق كما أظن.. لم يفعلها زيكو أو سيدكا أو كاتانيتش أو غيرهم، لم أسمع أيّا منهم وقد تحدث عن حتمية رفع الحظر كي يكون في إمكانه المجيء للاطلاع على التفاصيل بنفسه وكي يعيش الحالة، ليدرأ بذلك عن نفسه سُـبّة البقاء بعيدا والاكتفاء بالرسائل الصوتية التي تصله من مساعديه أو حتى من شخصيات في الاتحاد نفسه.  
هذه صورة موجعة حقا أن يتم التعامل معنا على هذا النحو الذي ينطوي على الاستعلاء دونما مبرر، مع أن الأموال التي يتسلمها أي مدرب أجنبي مدفوعة من خيرات العراق والعراقيين.. لكني وللأمانة التاريخية أضع الصورة إزاء صورة أخرى مختلفة مناقضة لا بدّ من أن تكون مَثار الإعجاب.  
إنها صورة البرازيلي زيكو الذي يفوق أدفوكات شهرة ونجومية ونجاحا وعلى كل صعيد، وهو يتوسط مجموعة من الصحفيين الأتراك ومن جنسيات أجنبية أخرى، وذلك بعد انتهاء مباراتنا الودية أمام منتخب سيراليون قبل تسع سنوات خلال معسكر منتخبنا في إسطنبول.. فقد أُوقف زيكو من قبل الصحفيين وكنت بينهم شاهدا ورفيقا، وسألوه: ألا تخشى العمل في العراق؟ ألا تخاف أن تدفع حياتك ثمنا لمثل هذه المجازفة؟.  
قال لهم زيكو بنبرة التحدي والثقة.. نبرة لمحت فيها شيئاً من الغضب: لماذا هذه الصورة السوداوية عن العراق؟ كل شيء هناك هادئ ومنتخب العراق يجب أن يلعب على أرضه، وأن ينتهي الفيفا من عقوبة الحظر التي يُلوّح بها بين حين وآخر. 
كان الرجل يحمل درعا وسيفا للحق وهو يواجه الصحفيين، ويشهد معي في هذا رياض عبد العباس مدير المنتخب الإداري وكامل زغير رئيس الوفد، اللذان كانا يقفان إلى جواري في تلك الدقائق، وكان جزاء زيكو أننا لم نعامله بدلال كما دَللنا أدفوكات، لا بل حاربناه، والتمسنا كل سبيل للتخلص منه.