محمد صالح صدقيان
قليل ما يتحدث الاسرائيليون عن نواياهم في ما يريدون فعله، وما يعلنونه ليس بالضرورة أنهم سيقومون بأنفسهم بتنفيذه، ربما يتركون ذلك الی آخرين أو يدفعون جهات أخری دولية أو اقليمية لتقوم بالنيابة عنهم في تحرك معين؛ عسكرياً كان أو دبلوماسياً، وإذا ما اطمأنوا بشأن وجود غطاء عسكري مناسب، فإنهم لا يترددون في القيام بحرب أو ازمة، لأن الحالة هذه تعني أن “الغطاء” هو الذي يحارب، وهي من الحالات النموذجية التي سعی لها الكيان الاسرائيلي في كل أزماته وحروبه، مهما كانت صغيرة أو محدودة، من اجل لعبة يجيد قوانينها، وهي توظيف الأزمات الدولية لتصب بمصالحه الخاصة وابتزاز الآخرين من أجل تحقيق هذه المصالح.
الكيان وجد ضالته في انسحاب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من “الاتفاق النووي”، يقينا منه أنه يستطيع اطلاق رصاصة الرحمة علیه. فشل هذا الكيان في ذلك بسبب إصرار إيران ومعها الدول الاخری علی صموده، ساعدت في ذلك الهزيمة التي مُني بها الرئيس ترامب في الانتخابات الرئاسية السابقة وفوز منافسه جو بايدن الذي وضع في سلم اولوياته العودة لهذا الاتفاق.
ما نريد الحديث عنه هي الخيارات الاخری التي تبشر بها إسرائيل قبل الولايات المتحدة، وكأنها الفاعلة في ضبط ايقاعات الجانب الأميركي مع إيران في حال فشل المفاوضات النووية في فيينا.
الكيان الاسرائيلي يتحدث عن “الخيار العسكري”، إذ قال وزير المالية الاسرائيلي اوغيدور ليبرمن إن المواجهة مع ايران لا يمكن اجتنابها، وانها الطريق الوحيد لمنع ايران من امتلاك السلاح النووي، وانها مجرد وقت، معربا عن اعتقاده بأن المفاوضات لا يمكن لها ان توقف البرنامج الايراني. في ذات الوقت نقلت وسائل اعلام اسرائيلية عن تخصيص مليار ونصف المليار دولار من اجل دعم القوة العسكرية الاسرائيلية لمهاجمة المنشآت النووية الايرانية، في الوقت الذي قال فيه وزير الدفاع بيني غانتس: “ان اسرائيل تستعد لهجوم عسكري علی ايران”.
من الواضح أن اسرائيل توفرت لديها عدة فرص لضرب ايران منذ العام 2003، لكنها واجهت معارضة أميركية استناداً لحسابات ومصالح اميركية خاصة، لأنها كانت في كل تلك الفرص تنتظر ابتزاز الولايات المتحدة وتوظيف القوة الاميركية لمهاجمة ايران. ما نستطيع ان نقرره هنا هو ان اسرائيل لم تكن تتردد لحظة في مهاجمة ايران وضرب منجزاتها النووية او الصاروخية اذا كانت قادرة علی ذلك بمفردها، لكنها لم تستطع، ولم تكن في يوم من الايام تمتلك الجرأة في القيام بخطوة كهذه، لانها تعلم عواقبها بشكل جيد، ولذلك كانت دائما تحاول اقناع الولايات المتحدة بالقيام بتوفير الغطاء العسكري والسياسي والامني من اجل تحقيق حلمها الذي لا تخفيه عن احد.
الامن القومي الاسرائيلي يستند الی التفوق العسكري والعلمي في المنطقة، ولذلك منعت اي دولة وقعت معها علی معاهدة سلام من السير بالاتجاهات العلمية التي تعتقد بأنها تضر بالامن القومي الاسرائيلي، كما ورد في معاهدة كامب ديفيد واتفاق وادي عربة. واستنادا الی ذلك تمت مهاجمة مفاعل تموز النووي العراقي عام 1981، والبرنامج النووي السوري عام 2007، وتحلم بمهاجمة المنشآءات النووية الايرانية.
خلال الرئاسات الاميركية السابقة، فشلت اسرائيل في اقناع الولايات المتحدة بالهجوم علی ايران، وخلال عهد الرئيس الحالي جو بايدن ما زالت الحكومة الاميركية تعتقد بأن الخيارات الدبلوماسية افضل من غيرها علی الرغم من قولها ان “صبرها ينفد”.
الولايات المتحدة تعرف جيدا ان اي توتر بهذا الحجم مع ايران سوف يبعثر كل الاوراق الامنية والعسكرية في منطقة الشرق الاوسط ذات الرمال المتحركة، وان المصالح الاسرائيلية لن تكون بوضع آمن ولربما الوجود الاسرائيلي في المنطقة سيكون بخطر، وهذا الامر تعرفه اسرائيل جيدا قبل الولايات المتحدة، ولذلك تحاول توريطها بأي حرب تريد القيام بها ضد ايران.
الحرب علی إيران لن تسقطها، لكن الرد علی اسرائيل سيكون رد وجود. الهجوم علی المنشآت النووية ربما يدمرها، لكنه لن يستطيع تدمير الكفاءات العلمية والتجربة التي حصلت عليها ايران، ولربما اعادة بناء هذه المنشآت ستكون باتجاه وشكل آخر.