فرصة لديمقراطية حقيقية

العراق 2021/11/02
...

سالم مشكور
تسعةَ عشر عاماً والعراق يعيش نظاماً يسمى بالديمقراطي التوافقي، استلهاماً من نظرية الديمقراطية التوافقية التي ابتدعها "آرنت ليبهارت" كمفهوم جديد تطور في أوروبا وبالذات في البلدان غير المتجانسة قومياً. ولعل أهم ما طرحته هذه النظرية التوافقية هي العناصر الأربعة التي تميّزها وهي "حكومة ائتلاف أو تحالف واسعة (تشمل حزب الأغلبية وسواه) ومبدأ التمثيل النسبي ( في الوزارة، في الإدارة، والمؤسسات، والانتخابات أساساً، حق الفيتو المتبادل).
هذا يعني باختصار أن المكونات تتقاسم السلطة ومواقعها التنفيذية وفق تمثيلها النسبي، وهو ما يفرز ظاهرة المحاصصة، التي تعدت المكونات العرقية الى الطائفية والسياسية. لكن التناقض يقع عندما تنص النظرية على أن كل مكون يملك حق الفيتو تجاه المكونات الأخرى، وهنا ينتفي دور التمثيل النسبي ما دام القرار يقوم على شرط قبول جميع الأطراف.
 في لبنان والمشرق جرى تداول هذه النظرية والتبشير بها إبّان الثمانينيات واعتبرت طريقاً لحل النزاع اللبناني الداخلي خلال مؤتمر الطائف عام 1990، وعليه جرى اعتمادها ليصل لبنان الى ما هو عليه اليوم من تفكك وانهيار شبه كامل.
في العراق جرى تطبيق ما سُمي بالديمقراطية التوافقية في 2003 وخلال تسعة عشر عاماً وصل العراق الى طريق مسدود إذ باتت المحاصصة وسيلة لتقاسم النفوذ وتحقيق المكاسب الحزبية وأصاب الشلل جميع المرافق وغاب الإنجاز بسبب الإعاقات المتبادلة (الفيتو المتبادل)، وتعمّق الفساد وتوسع حتى شمل كل الأطراف تقريباً، وما زلنا نعتبر نظامنا ديمقراطياً.
فشل تطبيق هذه النظرية، ولم يعد صاحبها يسميها بالديمقراطية، بل بالنظام التوافقي الذي اثبتت التجارب فشله في أغلب الدول التي اعتمدته. فلا معنى لأن يشارك الجميع في السلطة وهناك برلمان لا يستطيع أن يشرّع ويراقب لأنه محكوم بتوافقات قلّما تحصل وإن حصلت فتكون على شكل مساومات على حساب المصلحة العامة؟
ألم يحن الوقت لنخرج من هذه اللعبة المدمرة؟. 
لا نختلف حول ضرورة أن تشارك كل المكونات المجتمعية (وليست السياسية) في إدارة البلاد، لكن ذلك يجب أن يجري في ظل ديمقراطية حقيقية تقوم على وجود ائتلاف أطراف سياسية كأغلبية حاكمة، مقابل ائتلاف الأقلية السياسية الذي يمارس دور المعارضة وهو لا يقل أهمية عن دور الحكومة في خدمة البلاد لجهة مراقبة أداء الحكومة وتقويمه، فلا ديمقراطية حقيقية بدون معارضة بنّاءة.
تحقيق ذلك يشترط أن تكون أهداف الجميع بناء الدولة وليس الاستحواذ على مناصب لجني المنافع الجهوية.