أحيا العراقيون، أمس الاول الاحد ، الذكرى الأليمة لجريمة الهجوم الإرهابي على كنيسة "سيدة النجاة" ببغداد التي وقعت في 31 تشرين الثاني 2010، وتسببت بسقوط عشرات الشهداء والجرحى من أبناء الوطن المسيحيين، وأبدى عراقيون من مختلف المكونات وحدتهم ووقوفهم صفاً واحداً بوجه الإرهاب الأعمى الذي استهدف بمجزرة بشعة في دار العبادة وصومعة من صوامع المغفرة والرحمة والسكينة الإلهية.
وتعرضت هذه الكنيسة في مثل توقيت ليل أمس الاول، لاعتداء صارخ يندى له جبين الانسانية، من مجموعة إرهابية لا ترعى في خلق الله "إلا ولا ذمة" فقتل من قتل وجرح من جرح في بيت من بيوت الله "أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه".
ويستذكر أمين عام المكتبة المركزية بالجامعة المستنصرية وسام عادل عبود العسكر تلك الفاجعة الأليمة التي أثرت وأثارت مكامن مخاوفه المكبوتة من الهجرة الى بلد آخر غير العراق بعد استهداف "سيدة النجاة" ورجال الدين الذين لم يكن لهم ذنب. وقال العسكر لـ"الصباح": "لقد استهدف هذا الفعل الجانب المعنوي لدى المسيحيين بمختلف طوائفهم، وعلى إثر ذلك هاجر الكثير منهم إلى خارج العراق بسبب عدم شعورهم بالأمان، وعلى الرغم من أن الهدف الذي كان يراد به من هذه الحادثة تفرقة المسيحيين والمسلمين إلا أنهم لم ينجحوا في ذلك، فمنذ البداية كنا متيقنين بأن هذه الحادثة استهداف للعراق وليس للمسيحيين فقط".
وعن توقيت وقوع الجريمة وما بعدها، اضاف العسكر "في ذلك الوقت دار في مخيلتي ترك العراق، علماً بأنني من طائفة (السريان الارثوذوكس) وليس من (السريان الكاثوليك) الطائفة التي تعرضت الى هذا الهجوم غير الإنساني، ولكن ما يصيب المسيحيين يصيبهم بصورة عامة بعيداً عن أي طائفة معينة، ولا ننسى أيضا ما تعرض له المسيحيون من تهجير عام 2014 نتيجة هجمة عصابات (داعش) الارهابية، إلا أننا نطمح لغاية هذه اللحظة بأن يعود أهلنا الى بلدهم الحقيقي العراق، فالعراق باق في دمائنا ومشاعرنا".
من جانبه، قال الباحث في علم الاجتماع في (مركز البحوث والدراسات التربوية) الدكتور محمد عبد الحسن في حديث لـ"الصباح": "نستخلص من هذه الحادثة الأليمة الكثير من الدروس والعبر التي من أهمها بأن هذا العمل الإرهابي كان موجّه لقتل الإنسان العراقي بغض النظر عن ديانته، أو طائفته أو جنسه، أو لانتمائه الاجتماعي، فالإرهاب أراد أن يصدر نفسه على أنه ناطق باسم الدين لا يحترم ولا يوقر ولا ينهي عما نهى عنه ديننا الاسلامي الحنيف، بل كل افعالهم مخالفة لصريح النص الديني الشريف".
وأشار إلى أن "هذه الحادثة أظهرت حالة فريدة من التماسك الاجتماعي، وعظيم اللحمة الوطنية بين أبناء المجتمع العراقي الذي تضامن وتألم بكل أطيافه ومكوناته الرسمية وغير الرسمية"، مبيناً أنه "كان من المفترض أن يُحدث هذا العمل الإرهابي فجوة مجتمعية وحالة من العداء بين مكونات المجتمع العراقي بحسب مخططات الإرهابيين، بيد أن واقع الحال كان عكس ذلك، إذ خلق هذا الاعتداء الآثم حالة من توحيد الرؤى إزاء الإرهاب ومواجهته وإدانته، فمثل هذا الاعتداء أول اعتداء صريح على مكون مهم وأصيل في النسيج العراقي من قبل الجماعات الارهابية لشق عصا الوحدة الوطنية، ولقد كان هذا الاعتداء أول فرصة للاجهزة العسكرية والأمنية العراقية في مواجهة الجماعات الإرهابية بطريقة احترافية، الأمر الذي عزز ثقة المواطن العراقي بهذه الأجهزة، فضلاً عن الدعم والتأييد، كما أنها فتحت باب التضامن والدعم الدولي والانساني للمجتمع العراقي عموماً، وأبناء الديانة المسيحية خصوصاً، والذي عزز من ثقة العراق شعباً وحكومة في القدرة والعزيمة على مواجهة الإرهاب ودحره".
وأعرب الباحث عن أسفه لما سببته المجزرة الإرهابية من هجرة لعدة اسر مسيحية إلى خارج البلاد، وقال: إن "هذا الاعتداء الارهابي دفع بالعديد من الأسر المسيحية المعروفة بالمسالمة والدعوة الى الشعور بعدم الأمان، ومحاولة منها لتحقيق الأمان هاجر بعضهم أو انتقل الى مناطق اخرى يعتقد أنها أكثر أماناً".
إلى ذلك، قال زعيم حركة "بابليون" ريان الكلداني في تغريدة على "تويتر" تابعتها "الصباح": نستذكر شهداء ارتقوا أثناء الصلاة في بيت الله هنا، منذ 11 عاما. وكانوا قرباناً ما زادنا إلا تمسكاً وثباتاً. وما هذه الأجيال المتلاحقة إلا صوت الإيمان الحيّ الذي انتصر للدماء الطاهرة. السلام على شهداء الكنيسة منذ أولهم حتى آخرهم، والسلام على كل شهداء العراق".
وتعرضت كنيسة "سيدة النجاة" في الكرادة بالعاصمة بغداد في ليلة 31 تشرين الثاني 2010، إلى هجوم إرهابي أثناء إقامة الصلاة، حيث احتجز الإرهابيون عشرات المصلين ورجال الدين المسيحيين، ورغم الحرفية والمهنية العالية التي تعاملت بها الأجهزة الأمنية أثناء تحرير الرهائن، إلا أن الإرهابيين الجبناء أقدموا على تفجير أنفسهم وإطلاق النار العشوائي ما أدى إلى وقوع أكثر من 100 ضحية بين شهيد ومصاب، وتمكنت قوات الأمن من إنقاذ العشرات في الكنيسة التاريخية المسيحية البغدادية.