حسين الصدر
- 1 -
في مراحل الصبا يُساق الصبيان الى المدارس بضغوط من آبائهم وأمهاتهم لكي يتعلموا القراءة والكتابة تمهيداً لتعلم سائر العلوم الاخرى.
- 2 -
والصِغار مُحِبّون لِلَعِب ويفضلون البقاء في الفضاء الحُرّ بعيداً عن قيود الانضباط المدرسي، وهذا ناشئ من سذاجتهم المانعة لهم من الادراك الكامل لدور العلم في بناء الفرد والمجتمع
والأمة .
- 3 -
واذا ما ارتقى بهم الحال وبلغوا مرحلة الفتوة والشباب كانوا على صنفين:
الاول :
محب للعلم، متذوق لحلاوته، راغب في المواصلة والاستمرار في هذا الطريق
الثاني :
يحضر الدروس وكأنه يأكل المِيتَةَ ،انه لا يُولي للعلم أيةَ عنايةٍ، ولكنّه يُولي الحصول على الشهادة الدراسية أهمية كبرى باعتبارها وسيلة قد توصله الى العمل المناسب والرزق المطلوب، والفرق بين الفريقين شاسع وكبير .
4- -
انّ العلم هو أفضل استثمار للعمر في هذه الحياة الدنيا على
الاطلاق .
والناس جميعا مدعوون الى ان ينالوا قسطهم من العلم فهو النور الذي يضيء ظلام
الدرب ...
يقول الشاعر :
تَعَلّم فليس المرءُ يُولد عالماً
وليسَ أخو عِلْمٍ كَمَنْ هُوَ جاهِلُ
وإنّ كبيرَ القَومَ – لا عِلْمَ عِنْدَهُ –
صغيرٌ اذا التفَّتْ عليه
المحافل
- 5 -
جاء في التاريخ :
" إنّ النبيّ (ص) كان يُحدّث رجلاً وَقْتَ العصر ،
فأوحى الله إليه :
انّ الرجل الذي تُحدِّثُهُ لم يبق مِنْ عُمِره غيرَ ساعة ،فأخبره النبي (ص) بذلك فقال :
دلّني على أفضل عَمْلٍ أقوم به هذه الساعة ؟
قال (ص) :
" اشتغل بالتعلم "
فصار الرجل يتعلم، حتى قُبض قبل الغروب وهو مشغول بأفضل الأعمال عند الله .
وليس ثمة من صعوبة في إدراك ما يحتله العلم من أولويةٍ فاقت سائر الأعمال الصالحة
الأخرى .
- 6 -
ويكفينا ان نُذكر بما ينتظر العلماء من المثوبات الكُبرى وهم يتلقون السائلين عما يهمهم من مسائل دينهم ، بصدورٍ رحيبة، وخُلُق عظيمٍ، ومن خلال الرواية الواردة عن الزهراء البتول فاطمة (عليها السلام)، فقد جاءتها أمراة فقالت :
انّ لي والدة ضعيفة وقد لُبْس عليها في أمر صلاتها ،
وَبَعَثتنِي أَسْأَلُكِ عنها ، فقالت (ع) :
سلي عما شئتِ ،
فسألت عن مسألة فأجابتها الزهراء (ع) ، ثم ثنّت وثلثت حتى سألت عن عشر مسائل، والزهراء تجيبها، ثم خجلت من كثرة اسئلتها وقالت :
لا أشقّ عليك يا ابنة رسول الله ، فقالت الزهراء (ع) :
هاتي وسلي عما بدا لك ،
أرايتِ مِنْ إكتُريَ يوماً ليصعد الى سَطْحٍ بِحِمْلٍ ثقيلٍ وكِراهُ (اي أُجْرَتُهُ) مائة الف دينار أيثقل
عليه ؟
قالت :
لا
قالت (ع) :
" أكتُريتُ أنا لكل مسألة بأكثر مِنْ مِلءِ ما بَيْنَ الثرى الى العرش لؤلواً فاحرى أن لا يثقل
عليّ ".
ولم يكن المثال الحسيّ الذي ضربته الزهراء البتول (ع) الاّ لتبيان ضخامة الكرم الالهي والعطاء الجزيل لمن يروي ظمأ السائلين في أمور الدين، ولن يكون ذلك الاّ بالحرص الشديد على اكتناز العلوم حيث أنّ فاقد الشيء لا يعطيه .
هذا والناس مشغولون بما يُمكّنُهم من اكتناز الأموال زاهدين في كنوز العلم والمعرفة وما يوصلهم الى عظيم الدرجات
والمثوبات ...!!
ومن هنا يحسن التذكير عن النكوص
الخطير .