الأخلاق السياسية في العراق الديمقراطي

العراق 2021/11/15
...

ابراهيم العبادي
من كان يصدق ان الانقسام الشيعي- الشيعي سيصبح احد التهديدات الكبرى للدولة والمجتمع في العراق؟ 
سؤال يكشف عن طبيعة الواقع الجديد، إذ ما كان متوقعا ان يكون الفضاء الديمقراطي مفتوحا على نطاق اوسع مما ينبغي، ليسمح ببروز الهويات الطائفية والقومية بصورة تهديد خطير للوحدة السياسية للبلاد.
فهل من افق واعد ليتجاوز العراقيون ازمات الانقسام الايديولوجي والطائفي والقومي؟
في المجتمعات التي لم تعش الديمقراطية طويلا، ولم تختبر نفسها كثيرا في قبول الآليات الديمقراطية في حسم التنازع على السلطة والقبول- وان بمرارة وحزن - بنتائج صناديق الاقتراع، يبدو الامر طبيعيا، عندما لا تصبح الانتخابات ونتائجها  آلية كافية  لحسم  الصراعات والهواجس والمطامع والغايات النهائية لممارسة السياسة والعمل السياسي، اما للتشكيك بنزاهة الانتخابات اساسا، أو لعدم القناعة باللجوء الى الجمهور في حسم الخيارات والمشاريع السياسية بين المتنافسين والمتبارين، عندئذ لايبقى مجال لمنع تدهور الحال السياسي  وانفلاته، سوى البحث عن تسويات وتوزيع مكاسب السلطة، بما يضمن لجميع القوى السياسية حضورا يمنع انفراد حزب او تيار او زعيم بقيادة البلاد والهيمنة على مؤسساتها التشريعية والتنفيذية، بما يمكنّه من ممارسة دكتاتورية الاكثرية كما يقول عالم الاجتماع الفرنسي الشهير آلان تورين في كتابه القيم (الديمقراطية). 
هنا يدور البحث عن توفير ضمانات للأقلية السياسية كي لاتشعر بالاندحار وخسران مكاسبها، وكي لاتشعر بالنبذ والاستبعاد والاقصاء، فتعوض ذلك باللجوء الى العنف بمسوغ الدفاع عن الوجود والحقوق.
القضية اذن تدور في منع استقطاب المجتمع السياسي الى محورين متصارعين، يشك كل محور منهما بنوايا الاخر ويغذي شكوكه يوميا بمخاوف مستجدة،  تفرزها سلوكياتهما السياسية. 
في هذه الحالة لا تكون الآلية الانتخابية مخرجا من حالة الصراع، بل انها قد تكرس مزيدا من الانشقاقات والانقسامات وتناقض الرؤى للمشكلات والازمات التي تعيشها البلاد، ناهيك عن الانجذاب والانصياع للتدخلات الخارجية والمؤثرات السياسية المستمرة.
نحن بازاء أزمة من نوع جديد، أزمة انقسام عمودي داخل المكون الاكبر،  الذي كان يعول عليه، باعتباره صاحب المصلحة،  ليكون  الاجدر بضم الفئات والقوى السياسية للمكونات الاخرى الى  مشروع بناء نظام الامة-الدولة، الذي يضمن قيام دولة ديمقراطية ناجحة قادرة على ضمان الحياة الكريمة لمواطنيها.
إن الاعتراف بوجود الاخر المختلف حزبيا وثقافيا وقوميا وطائفيا، وقبوله شريكا يخفف كثيرا من غلواء التعصب السياسي والتوجه الاقصائي، ثم تأتي الخطوة الثانية بالائتلاف مع الفاعلين السياسيين القريبين في الرؤية والمشروع لتشكيل اكثرية برلمانية او حزبية او انتخابية. هذه الاخلاق السياسية نفتقدها في العراق، واستعضنا عنها باخلاق التقاسم للمغانم السلطوية والتخادم الحزبي او الشخصي، وحصرنا الخيارات بثنائيات ايديولوجية، وطني / اممي/، علماني/اسلامي /مقاوم /مساوم  وما الى ذلك من تصنيفات  صارت هويات سياسية تتحول الى صراعات بين الجماعات والاحزاب والمكونات.