الدولة وخيارات الديمقراطية

العراق 2021/11/17
...

علي حسن الفواز
التحول الديمقراطي لا يعني حركة في الفراغ، بل يعني حركة موجودة في الواقع، وعلى وفق وجود سياسات وبرامج ومؤسسات، وبالاتجاه الذي يجعل مفهوم التحول واقعيا وحقيقيا وقابلا للاستعمال والتداول، وحتى الانتاج، لا سيما إذا نظرنا اليه من منطلق الحاجة الى بناء مشروع الدولة الوطنية، والى علاقة هذا المشروع بتاريخ العراق السياسي والثقافي، وبأهمية ذلك في تعميق خيارات التنمية البشرية والعملياتية.
النجاح في تعزيز المسار الديمقراطي على مستوى الأطر العامة، لا يكفي لتكريس هذا النجاح، بل يستدعي الأمر جهودا استثنائية في مواجهة تحديات استحقاقات التحول، وفي تنشيط عمل مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية، فضلا عن المؤسسات المدنية، وبالاتجاه الذي يضع تلك الجهود في السياق الصحيح والفاعل، وضمن أطر زمنية كافلة للانجاز، فإذا كانت الحكومة الوطنية قد انجزت الكثير خلال عمرها الحكومي، في اجراء انتخابات مبكرة، وفي الشروع ببرامج واسعة للتنمية، فضلا عن جهودها الاستثنائية في مواجهة الارهاب والفساد، فإن الواقع السياسي والاقتصادي العراقي يتطلب المزيد من الجهود والمسؤوليات، وأن تكون الخيارات الوطنية حاسمة، على مستوى التأهيل السياسي، أي ترصين بناء المؤسسات السياسية، وعلى مستوى بناء اقتصاد تكاملي يتجاوز عقدة البنية الريعية، وعلى مستوى بناء المؤسسة العسكرية الامنية الجامعة، والتي يمكنها امتلاك آليات الصيانة الوطنية من جانب، وحماية السيادة والثروة والأمن من جانب آخر.
إنّ مايتبدى في مشهدنا السياسي من تجاذبات بين القوى الوطنية لا يعني تعبيرا عن صراع، أو خلافا في النظر الى مفاهيم الدولة والديمقراطية والحرية والحق والسلم الأهلي، بقدر ما يعني تعبيرا عن طبيعة المشكلات التي عادة ما تقترن بالتحول الديمقراطي، وهي ظواهر تعيشها كل الديمقراطيات الناشئة، لكن ومع وجود الارادات الوطنية، ومع جهودها المسؤولة في ادارة ملفات السياسة والامن، فإن العمل على تجاوز عقدها سيكون هو الرهان الوطني الكبير، وهو الجامع الذي ينبغي أن يدرك ضرورته الجميع، على مستوى حماية المشروع الوطني وتجربته واستحقاقاته الديمقراطية، وعلى مستوى ترصين قواعده واسسه المؤسساتية والقيمية، وكذلك على مستوى حمايته من غوائل لارهاب والفساد، ومن التدخلات الخارجية ومشاريعها المريبة.