الصراع الدولي وأوهام الضمانات

قضايا عربية ودولية 2022/01/04
...

علي حسن الفواز
البحث عن الضمانات الأمنية في الصراع الدولي يشبه البحث عن الأبرة في القش، ليس لأن العالم محفوف بفكرة المتاهة أو بفرضية الاشتعال، بل لأنها تعني التعويم، والتضييع، وهو رهان على الخطر نفسه، لاسيما وأن مفهوم الصراع الدولي صار معقداً، وغامضاً، ومحكوماً بحسابات من الصعب ضبط تفاصيلها ومعطياتها.
الولايات المتحدة وروسيا تتبادلان التهم بغياب الضمانات الأمنية والتسليحية، والصين تبحث عن الضمانات التجارية، وكوريا الشمالية تبحث عن الضمانات النووية، وإيران تبحث عن ضمان خروجها من ملف العقوبات الاقتصادية عنها، وتركيا تبحث عن ضمان لدخولها الاتحاد الأوروبي، وثمة آخرون يبحثون عن ضمانات أخرى للدخول والخروج.
سياسة الضمانات قريبة من الكوميديا السوداء، لأن العالم الذي تحوّل إلى قرية كونية كما يقول ماكلوهان، صارت سوقاً كونية، لا يُباع فيها سوى الصواريخ الباليستية، والعابرة للقارات، والرؤوس النووية، فضلاً عن وجود رقابة صارمة، لا تضمن لأحد البيع بالآجل، أو المقايضة السرية، إذ الجميع مُستَفز، ومُترسَن بالأسلحة ونواقلها، ورغم سياسات المراوغة الناعمة، وهواتف الرؤساء الباردة، إلّا لعبة السوق تظل هي الحاضرة، وهي الآزفة بشروطها، وبحدود سلطتها على البيع والشراء، وعلى من يحكم نفوط العالم، وغازاته، وممراته المائية، وصولاً إلى مَن يحكم السيطرة على تجارة الكافيار والرقيق الأبيض.
الخوف من التصادم العسكري بين الدول الصاروخية، قد يكون هو الباعث على البحث عن تلك الضمانات، وعلى فلترة العداوة الدائمة، لصالح المصالح الدائمة، لكن تبقى الخيارات متعددة، ومصنوعة أحياناً، لأن السلام يمنع العالم من شراء الأسلحة، وهذا ما يدفع إلى توتير أسواق الأسلحة، وتحويل لعبة الضمانات الأمنية إلى ما يشبه حرب الخطابات والأفكار والتصريحات، وصولاً إلى حرب إيقاظ السرديات لتظل الحدود ساخنة، والرؤساء يغالون في تضخيم حكاياتهم وموازناتهم العسكرية لكي تتسع الأسواق والجبهات، ولكي يظل مصير العالم محكوماً بأزرار الأجهزة النووية، ونوايا الجنرالات، وبالأدلجات التي نزعت أقنعتها القديمة واستعارات ما يجعلها الأقرب إلى قناع الجوكر خواكين.