السودان وخيار الخنادق

قضايا عربية ودولية 2022/01/08
...

علي حسن الفواز
بعد استقالة عبد الله حمدوك رئيس وزراء السودان انكشفت ملامح المشهد السوداني على فراغ كبير في لعبة الخنادق، وعلى طبيعة الخيارات السياسية الصعبة،  إذ باتت شعارات الدولة المدنية مُهددة، ووعود السلطة الجديدة في مأزق دستوري ودولي، مثلما أنّ عسكرة السلطة تحولت إلى واقع ضاغط، له مؤيدوه، وله معارضوه ونقاده، والذي سيضع قادة الجيش برئاسة عبد الفتاح البرهان، ونائبه محمد حمدان دقلو أمام تقاطعات ومصالح متناقضة، وعند مواجهات من الصعب السيطرة عليها بالعنف، أو حتى تهديد القوى المعارضة بالتهديد والقمع، وفرض سياسة الأمر الواقع على المحتجين بالعنف المسلح.
 البحث عن وجه مدني آخر بمستوى شخصية حمدوك سيكون صعباً في هذه المرحلة، ليس لما يتمتع به من حضور شخصي، أو من ثقة سياسية، وبقدرته على  إدارة ملفات التوازن مع المؤسسة العسكرية، بل الخشية من أن تكون الشخصية الجديدة متماهية مع العسكر، ولها استعداد لتقبل شروطهم، وعندئذ سيجد نفسه أمام الشارع التظاهري الساخط على العسكر من جانب، وكذلك سيكون إزاء واقع محلي يعاني من مشكلات بنيوية عميقة في البنى التحتية والخدمات والعنف المجتمعي، والتي لم تستطع الأنظمة السابقة معالجتها من جانب آخر..
الاستقالة قد تضع الجميع عند حسابات معقدة، بدءاً من عقدة الملفات المحلية، والكيفية التي سيتم التعاطي من خلالها مع القوى السياسية الأخرى، وليس انتهاء بالحسابات الإقليمية والدولية، لا سيما مع تحديات الأزمات الصعبة مع إثيوبيا ومشكلة سد النهضة والعنف على الحدود، وكذلك مع الواقع الدولي والضغط الأميركي على أهمية تغليب الطابع المدني على الحكم في السودان، معالجة ملفات حقوق الإنسان والعنف والحريات العامة بمسؤولية، فضلاً عن ضرورة اختيار سريع لرئيس وزراء مدني يمكنه التهيئة لمدة انتقالية نحو الحكم المدني في السودان، وهو ما بات يماطل به العسكر الذين يواجهون تحديات كبيرة، اقتصادية وسياسية واجتماعية وأمنية، وربما يبحثون عن فرصة لأن يكون لهم حضور حقيقي في شكل الدولة المقبلة، وعبر وزارات سيادية، وحلقات مهمة تجعلهم على قرب في صياغة الأمن السوداني في الداخل والخارج.