تلك اللطخة السوداء

العراق 2022/01/17
...

أحمد عبد الحسين
 
رأيت اليوم صوراً أرسلها قمرٌ صناعيّ تبدو فيها أجزاء من الأرض ليلاً. الدول كتلٌ من الضوء أشبه بمصابيح مبثوثة على هذا الكوكب الذي لا نعرف أن كوكباً فيه حياة سواه. سجادةُ نور، وفي زاوية من زواياها ثمة ثقب أسود يشوّه المنظر، منطقة معتمة تماماً تكسر هذه الحفلة الكوكبية.
هذه اللطخة السوداء كانت كوريا الشمالية.
كثيرون يرون في إغلاق الرئيس الكوري أبواب دولته أمام العالم، استقلالاً. هذه هي النسخة القديمة من الاستقلال، أن تنأى عن العالم لتقول إنك لا تحتاجه، أن تكتفي ذاتياً بما عندك على فقر ما عندك، وأن ترضى بالأقلّ الذي لا يثبت غناك ورفاهيتك بقدر ما يثبت كبرياءك وصواب يقينك الأيديولوجيّ وصمودك في وجه الأغراب.
جمهور وفير معجب بشخص "كيم جونغ أون" وطريقته في الاستقلال والقوّة والمنعة والتصدّي لمؤامرات الغرب. وهذا الإعجاب مستصحَبٌ من ثقافة اليسار الستينية ـ السبعينية التي يجدّد الفقرُ وطغيانُ الساسة التجار الحنينَ إليها كلّ آن.
في هذه النسخة العجائبية من الاستقلال، ما من دولة مستقلّة فعلاً سوى هذه البقعة المظلمة، ومعها بضع لطخاتٍ سود متناثرة أظهرتها الصورة ولم تظهر معها الناس المقهورين المجبرين على أن يحيوا في ظلام الاستقلال هذا.
تذكرتُ أنّ قدراً كبيراً من النور في العراق "النور الماديّ الذي تأتي به الكهرباء" ننتظره من جيران يصدّرون لنا الطاقة، وتذكرتُ أنّ استقرارنا رهنٌ بمفاوضات تجري في فيينا، لأنّنا في النسخة الجديدة جزء أكيد من العالم، وأن مصيرنا يقع في أفق مصير الآخرين، وأن قوّتنا تعتمد على تعاطينا مع العالم.
كلّ من يريد نسخته القديمة من الاستقلال سيكون تلك اللطخة السوداء في الصورة.