بسبب {كورونا} التعليم الالكتروني يحارب الحضوري

ريبورتاج 2022/01/19
...

{       الصباح      } تقوّم تجربة التعليم عن بُعد
 

   علي غني
 
مضى أكثر من سنتين على تطبيق تجربة التعليم الالكتروني في المدارس والجامعات العراقية، لكن النقاش ما زال قائماً عن فوائدها وأضرارها على الطلبة والاساتذة وأولياء الأمور، وقررنا أن نخضع التجربة للتقويم، بعيداً عن المجاملات، لأنها تتعلق بمستقبل الشهادة العراقية التي انجبت العباقرة الذين ما زالوا يواصلون الإبداعات على مستوى العالم، فهل أعطى التعليم عن بعد درساً حقيقياً يتميز بعراقيته؟، او طبقنا التجربة العالمية (كوبي بيست)، وما أبرز الايجابيات والسلبيات؟، وهل اقتنع طلبة الثانويات والجامعات بهذا التعليم؟، وماذا نريد منه؟.
خطورة الموضوع
الضيوف الذين قررنا أن نخوض معهم النقاشات عن هذه التجربة الفتية التي لجأنا اليها بعد تفشي الجائحة في بلدنا وفي العالم كله، جلهم من الجامعات العراقية والتربية والمختصين، جمعتنا بهم ندوة استضافتها جمعية المهندسين العراقية عن التعليم عن بعد، وقادها بذكاء الاستاذ الدكتور حسين يوسف الحسيني من كلية الهندسة بجامعة بغداد، والذي خاطب الجميع "من يريد مستقبلاً زاهراً للعراق الحبيب، علينا أن نجعل التعليم والقضاء بعيدين عن أي مؤثرات من أي نوع كان، وصمت، ثم استدرك قائلاً: يجب أن ندرك أهمية وخطورة الموضوع على مستقبل الأجيال المقبلة، فاعتماد التعليم الالكتروني لوحده وبالشكل الذي طُبِق لا يعد معياراً حقيقياً لتقييم الطلبة، وبالتالي الشهادة التي ستُمنح لهم والمهنة التي سيمتهنونها".
البروفيسور حسين، كان صادقاً معنا حين سألناه عن أبرز السلبيات وأخطرها، ليجيب بصراحة، هو تقييم الطالب، اذ إن التقييم الحقيقي يكون عن طريق الامتحانات الحضورية، وليس بامتحانات مفتوحة بالكامل، لأنه لا توجد اي سيطرة عليها، وعندها يمكن أن نميز الطالب المجتهد من غيره.
 
ظهير وسند ولكن؟
الاستاذ التربوي ناجي يوسف القريشي الذي شغل مناصب إدارية لسنوات طويلة في وزارة التربية، هو الآخر بيّن سلبيات عديدة أخرى، منها إن العراق المحسوب على دول العالم الثالث يعاني من فقر البنى التحتية للرقي و التقدم، لا سيما بنوع التعليم الالكتروني، فلا كهرباء مستقرة ولا بث الكترونياً رصيناً يغطي مساحة العراق، اضافة إلى عوائق أخرى منها تكنولوجيا الانسان العراقي نفسه، واعني به المعلم الذي يفتقر إلى الكثير من المعلومات عن كيفية استخدام الانترنت من معلم رياض الأطفال وحتى التعليم العالي.
وواصل حديثه لي: لا يخفى على الجميع أن التعليم الالكتروني يعد ظهيراً وسنداً قوياً وفاعلاً لمن يريد أن يتطور ويتعلم، الا أن الجهتين المسؤولتين عن هذا التعليم واعني (التربية والتعليم العالي)، تعانيان كثيراً من تنفيذ مشروعهما الالكتروني، وبما أن الوزارتين معنيتان بمنح شهادة للدارس والمتعلم بهذا الاسلوب فانهما تفتقران الى الطريقة المثلى في إجراء الفحوص والاختبارات، حتى الآن (والكلام للاستاذ ناجي)، لا توجد أي معايير مقنعة للامتحانات الالكترونية، بدليل إن نتائج الامتحانات الالكترونية تفوق الـ (90 %) ونتائج الامتحانات الحضورية بالدفتر الامتحاني لا تتجاوز الـ (40 %) او أقل من ذلك، فضلاً عن صعوبة الاختبارات العملية عن طريق الانترنت، لا سيما للكثير من الاختصاصات الطبية والهندسية التي تتطلب العمل والمعايشة الدائمة والرقابة.
 
فقدان سلطة المُدرّس
وتتشارك التدريسية المهندسة هدى راضي عبد الكريم من ثانوية الشروق الأهلية مع التربوي ناجي يوسف الرأي بشأن السلبيات، بل وتضيف عليها أسباباً أخرى، منها عدم توافر جهاز الهاتف او الحاسوب الخاص لبعض الطلبة الى جانب تغيب بعض الطلبة وعدم الالتزام بوقت المحاضرة، وخلق المبررات والأعذار، فضلاً عن تكاسل بعض الطلبة وعدم التواصل إلكترونياً مع مدرسيهم، باعتبار أن النجاح مضمون لهم بسبب قرارات الوزارة، وكذلك عدم السيطرة على ظاهرة الغش لكون الامتحان الكترونياً، وأصبح صاحب المستوى الضعيف والمتوسط يحصل على درجات وسعي أعلى او مساوٍ لصاحب المستوى العلمي العالي، وغياب المتابعة لبعض أولياء أمور الطلبة، كونه تعليماً الكترونياً ولا توجد اي سلطة للمدرس.
 
تقليل المصروفات
وأعود للأستاذ الدكتور حسين يوسف الذي كشف عن ايجابيات عديدة للتجربة، اذ يستطيع الطالب متابعة المحاضرات في اي وقت ومن اي مكان، كما أنه يمكن تقليل استخدام الكتب المطبوعة، كون المصادر ستكون موجودة الكترونياً، وبذلك يمكننا الغاء تشكيلات التعليم المجاني وتقليل المصروفات، والغاء الغيابات لطلبة التعليم العالي، كون الطالب لن يتأثر بالحضور لوجود المحاضرات الكترونياً، وبذلك سوف تلغى كل التشكيلات الخاصة بالغيابات، اما بالنسبة لطلبة التربية فتكون بشكل محدود، كون الطلبة بحاجة الى تعلم الالتزام والانتظام وهي عملية تربوية.
ويسانده المهندس المعماري الاستشاري حيدر محمد الكفيشي بالرأي، اذ اكد امكانية العراق من الافادة من نظم التعليم هذه لتطوير منظومة التعليم في العراق، والتي شهدت تدهوراً وانحداراً خلال العقدين الاخيرين من خلال الافادة من الايجابيات التي توفرها نظم التعليم هذه، وتحييد سلبياتها للنهوض بواقع التعليم في العراق الاولي والجامعي والعالي.
أما موضوع منح الشهادات عن بعد وهو ما يطلق عليه الدراسة عن بعد، فأقول لك بصراحة، فلا يزال يشكل تحدياً كبيراً للكثير من دول العالم وبضمنها العراق، وهو من الأنظمة غير الرصينة في التعليم والكثير من الدول ما زالت لا تعترف بسهولة بالشهادات الجامعية الاولية خصوصا والعليا لحد ما، الممنوحة كلياً بنظام الدراسة عن بعد، عكس نظام التعليم المدمج الذي يجمع بين الدروس الالكترونية والحضورية.
 
اكتشاف الموهبة
وبينت مدرسة الرياضيات في ثانوية الشروق الأهلية المهندسة هدى عبد الكريم بأن التجربة لا تخلو من ايجابيات، ومنها اكتشاف الموهبة والتميز لدى بعض الطلبة في استخدام التقنيات الحديثة، مما له الأثر الفعال لدى المتعلم، فضلا عن الافادة من هذا النوع من التعليم لايصال واكمال المناهج العلمية لطلبتنا وعدم ضياع الوقت بدون دراسة الى جانب تسجيل المحاضرة، فاصبح بامكان طلبتنا اعادة المحاضرة أكثر من مرة وبأي وقت.
 
التعليم المدمج
واتفق كل من المهندسين حيدر الكفيشي وهدى راضي على ضرورة أن يكون التعليم مدمجاً، وأنه لا بد من توفير مقومات الاستعداد الصحيح لهكذا تقنية في التعليم، وكذلك الحال لمراحل التعليم الأولي ستكون الفرصة ممتازة لتطوير التعليم الاولي ليكون مدمجاً بشرط تطوير الملاكات التعليمية لتستطيع التعامل مع النظام المتطور الذي يوفره التعليم الالكتروني وبنحو مثمر، وتمكين جميع الطلبة من ادوات التعليم الالكتروني مع المراقبة الصارمة لسير التعليم وفقاً للرؤية الصحيحة، وبشرط أن يكون مدمجاً لتوفير النسبة الصحيحة من الدروس الحضورية للطالب، وعدم اغفال واهمال المختبرات العملية ودروس الرياضة البدنية ودروس المواهب الفنية التي تعاني من الاهمال المتعمد في العراق.
 
كليات ذكيَّة
وأوصى البروفيسور حسين، باعتماد تشريعات خاصة بهذا التعليم شرط خضوعها الى دراسة مستفيضة من قبل جهات ذات علاقة بنحو مباشر بالأمر وليست تشريعات ارتجالية، وفي حال استمرار العمل بالتعليم الالكتروني علينا أن ندرك أن الامتحانات كافة يجب أن تكون حضورية، واعتماد مبدأ التعليم الالكتروني كتعليم ساند للتعليم التقليدي من خلال مفهوم التعليم المدمج، كما يجب تطوير القنوات التعليمية (التربية، التعليم العالي)، وجعلها توثق محاضرات التدريسيين لبثها عبر تلك القنوات.
ويمكن اعتماد التقنية الالكترونية للافادة منها في الاجتماعات وأعمال اللجان وغيرها في أوقات تحدد (خارج وقت الدوام) للافادة من وقت الدوام، فضلا عن الافادة من التقنية الالكترونية في ادارة اللقاءات مع طلبة الدراسات العليا، وطلبة مشاريع التخرج مع مشرفيهم الى جانب التفكير في انشاء كليات ذكية وفقاً لأسس وتقنيات عالية، وقاعدة علمية رصينة وضمن تشريعات مدروسة بشكل دقيق.
واهاب المهندس عبد اللطيف الجابري أمين سر جمعية المهندسين العراقيين بضرورة الاهتمام بالتعليم الالكتروني في جميع مؤسسات التعليم العالي والتربية، ومواكبة التطورات الحديثة في هذا المجال، وادخال الاساليب المحببة لجذب الطلبة لهكذا نوع من التعليم الذي يعد حديثاً في بلدنا، وحث على الافادة من الدول التي سبقتنا في التجربة.