أعيدوهم إلى وطنهم

العراق 2022/01/19
...

أحمد عبد الحسين
 
مع انتهاء كلّ موجة تظاهرات يجلس المحتجون ليحصوا خسائرهم التي هي خسارات وطنٍ أدمن الخسران: شهداء وجرحى "بعضهم بإعاقات دائمية"، ومن ورائهم آباء منكسرون وأمهات ثكالى وأيتام وأرامل.
لكنّ نوعاً آخر من الخسران قلّما انتبه إليه أحد، ظلّ مسكوتاً عنه لخطورته وتحرّج الإعلام من الحديث عنه، ولا أدري ما نفع الإعلام إنْ هو لم يخضْ في الأمور الحرجة؟.
بعد انتهاء كل احتجاج نشهد موجة هجرة لشبابٍ ناشطين غادروا العراق بعد أن تعرضوا لتهديدات جدّية وحقيقية ورأوا بأعينهم زملاء لهم سكتتْ أصواتهم على يد ملثمين بأسلحة كاتمة للصوت.
خائفون؟ نعم لكنْ من يلومهم على خوفهم؟ سبب خوفهم الحقيقيّ أنهم ليسوا مطلوبين للأجهزة الأمنية ولا للقضاء، بل هم مطارَدون من قبل قوى يجهلون اسمها وصفتها. وكم يبدو الخوف شديداً ومبهماً حين يكون رأسك مطلوباً من قبل أشخاص رؤوسهم مطلوبة للحكومة. مشهد سورياليّ كهذا لا يحدث إلا في العراق.
من بين هؤلاء المهجّرين قسراً "وكلّهم شبّان" فنانون وأدباء ومهندسون وأطباء وإعلاميون، ينتظرون معجزة ما تجعل عودتهم إلى وطنهم متاحة من دون أن يظلوا دائمي الالتفات والترقّب مع مرور كلّ دراجة نارية.
ذنبُ هؤلاء أنهم هتفوا ضدّ الفساد فشتتهم الفاسدون في أقطار الأرض، وأرادوا وطناً فأعطاهم وطنهم منفى. وهم الآن بأمسّ الحاجة إلى طمأنتهم من قبل الحكومة أولاً التي ينبغي أن تسهّل إجراءات إعادتهم والتكفّل بتأمين حياتهم، ومن قبل العقلاء من رؤساء الكتل الذين إذا أرادوا أن يحرزوا لأنفسهم صفة القيادة فلزامٌ عليهم أن يحرزوا معها صفة التسامح.
أعيدوا هؤلاء الفتية إلى وطنهم حتى وإنْ هتفوا ضدّكم مرة أخرى وأخرى وأخرى. خيرٌ لكم أن يظلّ خصومكم مسالمين سلاحهم الهتاف، من أن تخلقوا خصوماً جدداً ببراثن وأنياب.