خصائص محليَّة لقصيدة النثر

ثقافة 2022/01/21
...

 زهير الجبوري 
 
في كل مرحلة من مراحل الكشف والتنقيب في قصيدة النثر تظهر استحداثات جديدة، هي قابلة للتلقي ولفن الكتابة واشتراطاتها الحديثة، فقصيدة النثر الآن مثل أيّة بضاعة تتجدد مع الحاجة أو مع الظروف العامة التي تواكب التحولات الكبيرة في الأزمات السياسية والاجتماعية، وما أفرزته العاهات من وقائع حساسة ارتبطت بمصير الإنسان وضياع الهوية، ولكن كيف نمسك بلغتها المحلية وسط ما تطرحه الّلغات الأخرى على ذائقتنا ومخيلتنا؟، واذا كانت صفة المحلية لها خصائصها في الممارسة واستخدام اللغة، فلماذا نرهق القصيدة ونضعها في بوتقة الاتهام (كفن مستعار)، لذلك اجدها صفة تنتمي الى الجذر المكاني او المحيطي، بل وتعبر عن مكامنها داخل المحتوى، (فالصفة ـ المحلية ـ ليست استنكارية، لكن توصيفية مكانية، ونطلقها في ذهننا الصفة local الفرنسية التي تعرف بأنها كل ما يتعلق بمنطقة أو مكان مخصوص)، والملفت للنظر أن جميع الملامح المحلية في قصيدة النثر العراقية متوفرة، والشاعر العراقي على وجه التحديد يلاحق جميع الظواهر والأعراف والتقاليد المشبعة بتفاصيل واقعه، حتى حالات الاضطراب وحياة الحروب وتأثيرها على المجتمع، وكل ما يحدث من أحداث تلامس اليومي والسياسي والثقافي والبيئي، نستنشق كتابات الشعراء في هذه السمة الغالبة، بل وتتابع جميع السياقات والتحولات العامة في حياة الانسان العراقي.
الآن تحضر قصيدة النثر العربية بمحليتها في العراق، ويستمر شاعرها في الممارسة والكشف والتجديد والإضافة متجاوزا جميع الاحتدامات التنظيرية التي يطرحها السؤال الأكاديمي أو البحث النقدي عن الجذور وكيفية دخولها ومن هو اول من مارسها..؟! .. والوعي الشعري عند الكثير من شعراء قصيدة النثر في الوقت الراهن يتكرس في فهم لعبة الكتابة، وفنية الكتابة، ثم شعرية الكتابة، وهنا بالتحديد تظهر الطاقة الجديدة في قصيدة النثر، وتظهر الخصائص (المهارية/ التكنيكية) في توظيف ما هو تقني حديث داخل فنية النص النثري (كالعتبة/ العنوان: الاساسي والفرعي/ الاهداء)، ليتسنى لنا في منطقة النقد كيفية إمساك المضمون الذي يدخل في حيزنا المكاني ومحليته المعهودة والتفاصيل كافة التي تبرهن وتؤكد على ذلك بشكل واضح.
ومن الواضح في الشعرية العراقية الراهنة أنها أحالت مفهوم العنونة في قصيدة النثر الى مشاريع خالصة، وهي بذلك تمارس التحولات الجوهرية لما بعد المرحلة الاولى التي شهدت ممارستها ومناقشتها والجدل الحاصل في تنافسها مع الألوان الأخرى، ولم تأتِ عن فراغ، إنما تكرس حضورها بعد ان اصبحت ضرورة اساسية عند أغلب الشعراء، فجاءت جميع التطبيقات عليها وفق التأثيرات المحيطة كالصراع الآيديولوجي ومحاولة تمرير الأفكار عبر تغريبية اللغة وتطويع اللغة ذاتها الى ترسيمات وأشكال، وما إن غادرنا كل هذه التحولات، وجدت نفسها ـ أي قصيدة النثرـ أمام استرخاء في طريقة الكتابة والبناء الشعري، لتمارس محليتها من خلال تطويع المضمون الى قصدية شعرية عبرت عن هوية الشاعر وطريقة تفكيره بالواقع الذي يعيش.. وفي ظل ما تعيشه قصيدة النثر من استحداثات متتالية على يد شعراء ونقاد المرحلة الراهنة، ولأننا نريد الإمساك بشفرة محليتها ـ تحديدا في العراق ـ 
فإن أهم شيء هو إعطاء استقلاليتها عن باقي الألوان الشعرية الأخرى، والاستقلال هنا هو ملاحقة بعض الاشكال الشعرية لها وتنافسها في حضورها الذي هيمن بشكل ملفت للنظر، لذا كان للناقد فاضل ثامر ما يؤكد ذلك إذ أشار الى أن (أنسي الحاج يؤكد على أن قصيدة النثر جنس أو نوع أدبي مستقل، شأنه شأن الأجناس الأدبية الأخرى). وحين أردف أنسي الحاج رأيه بشكل نصي قائلا (كل مرادنا إعطاء قصيدة النثر ما تستحق من صفة النوع المستقل، فكما ان هناك رواية، وقصيدة وزن تقليدي، وقصيدة وزن حر، هناك قصيدة نثر)، فإن للناقد ثامر رأيه النقدي المختلف مبينا (على الرغم من وجاهة هذا الرأي وشيوعه بين عدد من النقاد والشعراء، لكنني أرى ان قصيدة النثر ليست جنساً مستقلا، بل هي جنس فرعي (suh division) لأنها لم تقطع حبلها السري بالشعر جنساً أدبياً رئيساً). ومن وجهة نظر خاصة، فإن الدور الذي تلعبه قصيدة النثر وهي تمارس حضورها قد شَكّلَ انتباهة كبيرة من خلال المنجز الحاضر والمستمر، فإن كانت القصيدة فن شعري قائم بذاته أو فرع ينتمي الى أصل، فلّلغة الحضور المحلي أثر واضح، بل وهيمنة واضحة يأخذ كل وجوه التعبير والتصنيف او يتحمل كل أوجه التحليل النقدي، وقد لمسنا مدى التجارب النثرية في ظل التحولات الكبيرة التي شهدتها الحياة الثقافية في العراق او في الدول الأخرى التي تهتم بهكذا اشتغال.