الأدباء والمبدعون يتقلَّدون مناصب حكوميَّة تشريفيَّة

ثقافة 2022/01/21
...

 جاكلين سلام*
 
مع نهاية كل عام في كندا يتم تقليد وسام «حاكم كندا» وهو رتبة تعد الثانية في التسلسل الهرمي الأهم، وهي مرتبة مدنية تشريفية تمنح لعدد من المبدعين الكنديين الذين عملوا على إغناء حياة الآخرين بطرق وتركوا بصمة إيجابية في الميدان الاجتماعي القريب والبعيد. هذه الحقول تتضمن الإبداع والتميز في ميادين مثل: الآداب الاجتماعية والعلوم الإنسانية، الموسيقى والتأليف والتمثيل، النجاح في المجال الاقتصادي، التميز في المجال العسكري، والعمل الخدماتي الاجتماعي الرسمي أو التطوعي. وهناك مراحل تتبعها جهة حكومية عليا إذ تتلقى الترشيحات في كل الحقول، وتتم دراستها إلى أن يتم الاتفاق على إعطاء الوسام لشخص واحد متميز في مجاله. 
 كان الإعلان عن نتائج التكريم هذه السنة في 29 ديسمبر 2021. وكان للجالية العربية في تورنتو نصيب في هذا التكريم في المجال الاقتصادي المهني. 
كان الوسام من نصيب الكندي اللبناني محمد فقيه، لدوره في خدمة الاقتصاد الكندي والجاليوي، ذلك أنه الذي يمتلك عددا من المطاعم في تورنتو وكندا. وله نشاط جاليوي معطاء يحث على التضامن والحضور الفاعل. وعلى أهمية المميز في هذا المجال إلا أنني أتوقف اليوم مع المنصة الثقافية. 
يان مارتل كاتب رواية «حياة باي» يحصل على وسام حاكم كندا
في خانة الآداب والعلوم الإنسانية حصل الكاتب الكندي يان مارتل على التكريم وذلك لشهرته الواسعة في العالم من خلال روايته المترجمة الى 40 لغة ومنها العربية. صدرت الترجمة منذ سنوات عن دار الجمل، ترجمة سامر أبو هواش. وأخرجت كفيلم سينمائي لاقى نجاحاً منقطع النظير.عدد النسخ التي بيعت من روايته 50 مليون نسخة، كما فاز بجائزة بوكر الأدبية الدولية للرواية. 
هناك نجاحات كثيرة وخطوات مميزة تضع هذا الكاتب على قائمة الشهرة والـتأثير. وهنا نبذة مختصرة عن سيرته الإبداعية:
يان مارتل مواليد اسبانيا 1963 لأبوين كنديين كانا يعملان لصالح الخارجية الكندية. انتقل مع والديه للعيش في عدة دول حول العالم منها: اسبانيا، البرتغال، وفرنسا، إلى أن استقر في كندا في مرحلة الدراسة الثانوية. وحين أكمل تحصيله الأكاديمي في كندا، صار أستاذا جامعيا مرموقا، وكان يدرّس منهاجا يعنى بـ «الحيوانات في 
الأدب». 
ورد في سيرة التعريف بمكانته، أنه في بداية شبابه اشتغل في أعمال شتى كغسل الصحون في المطاعم، وزرع الشجر، كما اشتغل حارسا في السفارة الكندية في باريس. طبعا النظرة إلى نوعية العمل التي يؤديها الفرد في الغرب تختلف تماما عن المهن وطبقاتها الهرمية، عما هو عليه الحال في الغرب. 
بدأ الكتابة بمجموعة قصصية، ثم صدرت أول رواية له عام 1996، في انكلترا وألمانيا، والرواية الثانية (حياة باي عام 2001) إلى جوار روايات أخرى بعد ذلك. ولكن حياة باي أحدثت الرواية ضجة حولها واتهاما للكاتب بتطفله على فكرة كتاب بعنوان (ماكس والقطط) وفي ما بعد كتب مارتل رسالة يعرب فيها عن إطلاعه على الكتاب وإعجابه وتأثره به.
أما قصة يان مارتل مع رئيس وزراء كندا السابق «ستيفن هاربر» الذي كان رئيس حزب المحافظين فهي الأكثر شهرة وفكاهة وجرأة، ولم يسبق لها مثيل في العالم. إذ تجرأ يان مارتل على افتتاح «نادي القراءة» أحادي الجانب بينه وبين رئيس وزراء كندا عام 2001؟.
حكم حزب المحافظين في كندا منذ عام
2001 - 2007 بقيادة ستيفن هاربر. وخلال تلك الفترة قام رئيس الحزب الحاكم باقتطاع الكثير من الخدمات المقدمة للبرامج الفنية والثقافية والإعلامية. 
وعرف عنه عدم تعاطفه مع الكتاب والعلوم الإنسانية عموما. فقرر مارتل أن يحثه على القراءة والإطلاع على آداب الشعوب من خلال الكتب التي قرر أن يرسلها إلى مكتب رئيس الوزراء مرة كل أسبوعين وتكون منتقاة من الأدب العالمي الكلاسيكي والحديث والكندي بالطبع. استمر في هذه المبادرة إلى أن وصل عدد الكتب المرسلة مجاناً 100 كتاب. حينها قرر أن يتوقف ولم يتسلم سوى رد واحد من قبل القارئ المفترض. 
والجدير ذكره أنه اختتم هذه الحملة التوعوية بكاتب مسرحي عنوانه «الحارق» لمسرحي كندي من أصل لبناني يكتب بالفرنسية وهو وجدي معوّض. لاقت مسرحيته التي أصبحت فيما بعد فيلما وتطرق فيها إلى الحرب الأهلية اللبنانية والعنف والخوف والهجرة. أما أول كتاب في القائمة فكان للكاتب الروسي «تولستوي، موت ايفان ايفانوفتش».
كان يان مارتل يرسل الكتاب إلى ستيفن هاربر مرفقا برسالة هي عبارة عن عرض للكتاب، وحكايته وأهميته. فيما بعد قام باصدار كتاب يضم هذه الرسائل وعناوين الكتب المختارة التي لاقت ضجة إعلامية جيدة على الصعيد الكندي، عنوانه «ماذا يقرأ ستيفن هاربر؟».
لو نظرنا إلى ثقافة الحكام العرب سنصاب بالخيبة. فحصة الديمقراطية لم تصل بعد الحد الذي يسمح فيه بانتقاد صورة الرئيس مهما كان قبيحاً ومجرماً بحق شعبه، وإلا فيكون العقاب مريعاً. وصرّح مارتل للصحافة الكندية بأنه محظوظ لأنه يعيش في بلد ديمقراطي، يفعل هذا ولا يُعتقل.
الأدب وثيقة إنسانية مؤثرة وجدانياً وإن حملت محتوى سياسيا. 
بعض رؤساء الدول في الغرب يتفاخرون بقائمة الكتب المفضلة لديهم. على سبيل المثال يقوم الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما كل سنة بالإعلان عن قائمة الكتب المفضلة لديه والتي يرشحها للقراء. 
سيزدهر ويتقدم أي بلد يعمل على تكريم الطاقات الإبداعية لأهميتها في دفع عجلة الحضارة إلى الأمام. أما البلاد التي تكثر فيها السجون والتهديدات والتفرقة ستبقى في آخر الركب وتتطلع إلى الوراء وتقتل الحاضر والمستقبل.
 
*شاعرة، صحفية مترجمة 
سورية كندية