كهرباء الكرامة

العراق 2022/01/24
...

أحمد عبد الحسين
في الدعاء العظيم: "اللهمّ إنّا نرغبُ إليك في دولة كريمة"، فما هي هذه الكرامة؟
منذ بداية القرن الحالي تزايدت الدراسات الفكرية التي تبحث موضوعة الكرامة الإنسانية. فلاسفة أميركان وأوربيون ومثلهم باحثون عربٌ أحيوا هذا المفهوم الذي نادتْ به الشرائع الدينيّة كما نادت به الفلسفاتُ الوضعيّةُ منذ قديم الأزمان.
إيقاع الكلمة "كرامة" يوحي بالقِدِم، لكنّه لصيقٌ بالجبلّة الإنسانية بحيث يظلّ دالاً على رهانات الحاضر دائماً، ذاك أنّ أبرز صفة للإنسان حبّه للحياة لكنه لا يحبّها غُفلاً، ولا يريد أن يحياها كيفما اتفق. من هنا تدخل الكرامةُ شرطاً جوهرياً في كلّ عيش سويّ.
كلّ اضطرابٍ في بنية الفرد، وفي بنية المجتمع أيضاً، منشؤه فقدان الكرامة الشخصية، حين تأتي قوّة ما تريد أن تسلبه شرط عيشه هذا، وتسلخه مما يبقيه إنساناً مكتمل السلطان على نفسه وشؤونه.
لنسأل: لماذا في الدول التي تكثر فيها لقلقةُ اللسان عن الدين، والتي تتطاير فيها المواعظُ الدينية يسرة ويمنة، ويتناسل الخطباءُ كتناسل الفطر، يقلُّ منسوب الكرامة الإنسانية إلى حدّ مخزٍ؟ ولماذا كلما كثر الكلام عن تكريم الإنسان في المساجد والمحاريب امتُهِنتْ كرامة الفرد وحوصر في معيشته وشبع إذلالاً في طلب حاجاتٍ أساسية؟.
الإنسانُ في أدبيات الدين "ظاهره الملك والملكوت، وباطنه خزانة الحيّ الذي لا يموت" المخلوقُ بيدي الله والمكرّم من قبل الله، أيّةُ كرامة تتبقى له حين يجلس مرتجفاً من البرد هو وأهله في بيتٍ لا تصله الكهرباء؟.
المواعظ الدينية ينتهى أثرها في النفوس التي لا تجد قوت يومها وتفتقر لمقومات الحياة الضرورية التي يحوزها حتى الذين يحيون في أقاصي القرى بأفريقيا.
اللّهم إنا نرغب إليك في دولة كريمة.. وفيها كهرباء إذا أمكن!