علي حسن الفواز
مايَحدث على الحدود بين أوكرانيا وروسيا يضع السياسة أمام اختبارات صعبة، وعند رهانات معقدة، قد تدفع باتجاه الحرب أو الصراع طويل الأمد، وهي خيارات لا يمكن الثقة بها، ولا بما يجاورها من الحلول الدبلوماسية التي ستفقد نعومتها حتما، والتي سيذهب بها البعض إلى التصريحات الساخنة، والتهديدات والعقوبات، على مستوى إرجاء الضمانات الأمنية، أو على مستوى نزع التوتر، وتخفيف حدّة التصعيد العسكري، أو على مستوى تحويل الخلاف حول الأزمة إلى صراع دولي مفتوح، له امتداداته الآيديولوجية والاقتصادية والأمنية، وحتى على مستوى تحفيز الحركات الانفصالية للمطالبة بالاستقلال كما حدث في إقليم دونباس ذي الأكثرية الروسية. الأزمة الأوكرانية هي أزمة سياسية، اكثر من كونها أزمة أمنية، آيديولوجية، وأن دعم الغرب وأميركا الواسع لانضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو، يجده الروس تهديدا عميقا لأمنهم القومي، ولسياساتهم في المنطقة، وتوتيرا لحدودهم الغربية، فضلا عن آثاره الاقتصادية الخطيرة، لاسيما في السيطرة على مسارات تصدير الغاز إلى أوروبا، وعلى حرية الملاحة والأمن المائي في الممرات البحرية.
الطبيعة الجغرافية للأزمة تحمل معها نُذراً ديمغرافية معقدة، فرغم أن أغلب الأوكرانيين يتحدثون الروسية، وأن أوكرانيا كانت جزءاً من الدولة السوفيتية، ومن أمنها الحزبي والنووي، فإن انهيار الآيديوجيا والجغرافيا، وسياسة التهييج المسلّح، ستسهم جميعها في فتح الباب على مشكلات كبيرة، في الحسابات والمصالح، وفي تقويض التاريخ الثقافي للمنطقة "السوفيتية" السابقة، وفي عسكرة الشرق الأوروبي، وهو ما استثمرته الولايات المتحدة للتضييق على "الدب الروسي" ومحاصرته، وإبعاده عن شهوات إعادة تقسيم العالم إلى ثنائية قطبية حاكمة.الدبلوماسية الخشنة، وجّه من وجوه الحرب، فقاموسها مليء بالتهديد، وبفرضية الحرب المحتملة، وبالعقوبات غير المسبوقة، والتي ستهدد المصالح الشخصية للرئيس بوتين كما قالت وزارة الخارجية الأميركية، وهو مايكشف عن خفايا الصراع، وعن علاقة الدبلوماسية الخشنة بأزمة السياسات التي تتعلق به، وبإدارة الملفات الأمنية والاقتصادية في أوروبا، وفي الشرق وفي العلاقة مع الصين والدول الأخرى ذات العلاقة الخاصة مع روسيا مثل إيران وسوريا والجزائر وكوبا وفنزويلا ونيكاراغوا.