جواد علي كسار
تُثير وفاة المفكر الإسلامي السوري جودت سعيد، الذي غادر الحياة الأحد الماضي، ثلاث نقاط تعود الأولى إلى صلته بالمفكر الجزائري الكبير مالك بن نبي، فقد رام البعض أن يجعل سعيداً امتداداً مدرسياً لابن نبي، وهذا لا يصح، إذ لا يمكن المقارنة بين جودت سعيد، وبين صاحب مشروع «مشكلات الحضارة» لما بينهما من اختلافات كبيرة في المنهج والمنطلق والأفق المعرفي، بل في اللغة والأسلوب أيضاً.
النقطة الثانية التي تختص بها شخصية سعيد، ولا سيما أبرز كتبه: «مذهب ابن آدم الأول أو مشكلة العنف في العمل الإسلامي»، و«حتى يغيروا ما بأنفسهم» هي دعوته إلى «اللاعنف»، حتى بالغ البعض في وصفه بأنه: «غاندي العرب»، أعتقد أن سعيداً لم ينجر إلى مبالغات مجافية للواقع في هذه الدعوة وحسب، بل تورّط بأخطاء كبرى في قراءة مفاهيم القرآن الكريم وتاريخ المسلمين، والأهم من ذلك تاريخ العالم العربي والإسلامي خلال المئة سنة الأخيرة.
العنف لم يكن من خاصيات العمل الإسلامي الحركي وحده، بل هو من خاصيات الأنظمة ومن أوثق خصالها، ومن سمات الاستعمار وتدخلاته، ومن خصال جميع القوى السياسية الفاعلة يسارية وقومية وعلمانية، كما له مناشئ في الشخصية والتكوين الاجتماعي، في جميع البلدان العربية والإسلامية.
من المضحك الكلام عن نظرية «اللاعنف» بالصياغة التي نقرأها في كتابات جودت سعيد، في ظل أنظمة مثل نظام صدام الساقط وبقية أقرانه في عواصم الجمهوريات العربية، وهذه النظرية لم تنقذ حياة سعيد نفسه داخل بلده، ما دفعه للهرب إلى تركيا، حيث وافاه الأجل.
تبقى النقطة الثالثة، وهي برأيي الأهم، تتمثل في أن أفكار سعيد وكتاباته، فتحت نافذة عريضة إلى الإصلاحية الإسلامية، وهو الاتجاه الذي غيّبه الحركيون عن الميدان، وطمسوه نظرياً بعد أن شوّهوه فكرياً.
بعبارة واضحة؛ لقد استطاعت الحركية الإسلامية في اتجاهاتها الكبيرة؛ سنياً عبر الاخوان المسلمين وحزب التحرير، وشيعياً من خلال حزب الدعوة الإسلامية، أن تحتكر العمل الإسلامي، من خلال نافذة وحيدة، هي التغييرية والانقلابية الثورية، وعطلت بذلك الإصلاحية بعد أن وجّهت لها ضربة قاصمة.
وفضيلة فكر جودت سعيد وأمثاله في العالم العربي والإسلامي، ومناخ السيستانية في العراق ومجدها الكبير، أنها أعادت شيئاً كبيراً من الاعتبار للإصلاحية الإسلامية، ميراث الأفغاني وكاشف الغطاء وعبدة وابن باديس ومغنية وأضرابهم.