كُلي يا شهرزاد

الصفحة الاخيرة 2022/02/06
...

عبد الهادي مهودر
لا تحكي يا شهرزاد بل كلي وأشربي ولا تطبخي، وأطلبي قائمة الطعام (المنيو) وتنقلي في مدينة المطاعم، فشهريار شبع من القصص ويريد أن يأكل ما لذ وطاب في ألف مطعم ومطعم بألف ليلة وليلة، ولا وقت لديه ليسمع حكايات ألف ليلة، وإذا زاد عدد الليالي فعدد المطاعم يكفي ويزيد ويتضاعف.
يروى أن الملك شهريار كان يتزوج في كل يوم فتاة ويقتلها كي لا تخونه، بعد أن خانته زوجته الأولى واصبحت لديه عقدة من النساء، لكن شهرزاد قررت أن تحكي له في كل ليلة قصة جديدة ولا تكملها لكي يطول عمرها ليلة أخرى وتكملها في الليلة التالية، حتى انتهت كل القصص وانكشفت الحيلة وأدرك شهرزاد الصباح وسكتت عن الكلام المباح، لكن شهريار أحبها وتزوجها وعاشوا في ثبات ونبات.
عزيزتي شهرزاد اقلبي صفحة واحكي له عن بغداد وكيف يولد فيها كل يوم مطعم جديد وقصة جديدة لمطعم صغير انشق عن مطعم شقيق وشهير في زمن الانشقاقات الطولية والعرضية، وكيف تعيش المدينة حركة مطعمية غير مسبوقة، نشهد أنها أحيت ليل بغداد ووفرت ألف فرصة وفرصة للشباب العراقيين الحالمين بفرصة عمل، ولم يعد الشاب العراقي يستحي من العمل وطلب الرزق والتنافس مع عمال الضيافة العرب، وصار ممكناً حمل أطباق الضيافة وشهادة البكالوريوس أو الماجستير بيد واحدة، ولا يستبعد أن يكون بين فريق الضيافة مستقبل عراقي يحمل الأطباق وشهادة الدكتوراه معاً، فالبلد يعيش ثورة شهادات عليا انفجارية غير مسبوقة أيضا، إلى جانب ثورة المطاعم الفاخرة والشعبية والانفجارية، والملك شهريار ليس شهريار ذلك الزمان الذي يأكل في قصره، بل هو مثل أي زائر عربي أو أجنبي سيغادر بغداد ويتحدث باعجاب شديد عن الكرم العراقي ومطاعم (الكباب والدجاج والباچة والدولمة والسمك المسگوف)، وسينشر بعد مغادرته بغداد ألف فيديو وفيديو عن مدينة المطاعم وبشكل يفوق التوقع، وشهريار سيخون المطاعم الواحد تلو الآخر، ولا يلومه أحد إن تبدّل وتجوّل بين مطاعم المدينة أو استهواه مطعم صغير أو جذبته رائحة دخان الكباب أو منظر باعة الشاورما في الهواء الطلق، واحكي له يا شهرزاد عن هذا العدد الهائل من الناس التي تسكن المطاعم وتهجر المطابخ المنزلية. احكي له عن كثرة وتنوع مطاعم المدينة في هذا الزمان وكيف انقلبت القصة ودار الزمان؟! قولي له إن المستثمرين الكبار والصغار يحققون في هذا القطاع نجاحاً لافتاً، ليته يتحقق في جميع القطاعات، بجدوى اقتصادية وسياحية وتشغيلية، تعيد لبغداد حيويتها وأنوارها الساطعة في كل ليلة وليلة، وإن في بغداد اليوم عدداً لا يحصى من المطاعم، خمسة او ستة أو سبعة آلاف مطعم، بين مسجّل أو غير مسجّل لكثرة الولادات الانشطارية، والأكثر دهشة إن جميعها ممتلئة، والحمد لله، وأصحابها في حرج لتأخر تلبية طلبات الزبائن، عدا خدمات التوصيل، وكأن أهل المدينة يأكلون ولا يطبخون، فكُلي ولا تحكي ولا تطبخي، واحمدي واشكري، بلدة طيبة ورب كريم، ودعيه يجرب كل مطاعم المدينة ويجدد الثقة برجالها ونسائها ومطاعمها ولحمها وشحمها، لا وقت لدى شهريار ليسمع المزيد من القصص، الثقة موجودة والحمد لله.