إفريقيا وانقلاب القلاع القديمة

قضايا عربية ودولية 2022/02/13
...

علي حسن الفواز
هل ستغادر فرنسا مستعمراتها القديمة في إفريقيا؟ وهل ستفقد الفرانكفونية جزءاً من تاريخها السياسي واللغوي والانثربولوجي؟
هذه الأسئلة المفارقة تكشف عن طبيعة المتغيرات التي تعيشها القارة السوداء، وعن طبيعة صراعاتها السياسية والاقتصادية والعسكرية، وعلاقة ذلك بضعف أنظمة الحكم فيها، وصعود الجماعات الأصولية التي باتت تهدد غرب ووسط إفريقيا.
فما يحدث في جمهورية مالي يحدد بعضا من ملامح تلك المتغيرات في الدولة التي استقلت عن فرنسا عام 1960، والتي عاشت صراعات وانقلابات عديدة، لكنها ظلت تحافظ على الولاء الفرنكفوني، كجزء من الحماية الفرنسية، لكن الانقلاب الأخير تجاوز عقدة ذلك التاريخ، وليضع حدودا لتلك العلاقة الاستعمارية، إذ طالب الانقلابيون بطرد السفير الفرنسي، وإلى إعادة النظر بمدى واقعية هذه العلاقة في حساباتها السياسية والعسكرية والاقتصادية.
هذا الإجراء وضع علاقة فرنسا مع مستعمراتها أمام مأزق وجودي، لاسيما بعد الأحداث والانقلابات الأخيرة، بدءاً من الصراع في تشاد، وفي غينيا بيساو وفي مالي، وأخيرا في بوركينافاسو، وهي أحداث من الصعب تجاوز تداعياتها، على مستوى علاقة ذلك بالسيادة والاستقلال، أو على مستوى مواجهة الأزمات التي تعانيها هذه الدول صحيا وأمنيا واقتصاديا، وهي ضواغط باتت تحرك الشارع الافريقي، لاسيما عند العسكريين الشباب الذي يجاهرون بالانقلاب على التاريخ الاستعماري، والتمرد على أنظمة الحكم التقليدية المدعومة فرنسياً، والتي فشلت في حماية الأمن السياسي والاقتصادي ومواجهة الجماعات الإرهابية.
استغراب الحكومة الفرنسية من موقف الانقلابيين الشباب في جمهورية مالي، قد يدفع إلى مواقف، وإلى سياسات سيتشارك فيها الاتحاد الأوروبي وليس فرنسا فقط، لاسيما بعد رفض زيارة الرئيس الفرنسي لهذه الدولة الفقيرة، والذي وجدته الحكومة الفرنسية فرصة للتنديد بالانقلاب العسكري، وضرورة العودة إلى الحكم المدني، وسحب القوات الفرنسية من المنطقة، وهو ما يعني التلويح بسياسات جديدة، وفتح ملفات معقدة، لمواجهة موجة الكراهية، وتهديد المصالح الفرنسية في قارة إفريقيا، والأخطر من ذلك هو الخشية من تغيير مسار التوجهات الإفريقية نحو روسيا والصين وإيران وتركيا، وهذا ما تجد فيه فرنسا خرقا ستراتيجيا لقلاعها القديمة، ولسياسات الغرب في قطع طريق الحرير الصيني، وبدء مرحلة البحث عن شركاء  جدد خارج ذاكرة 
الاستعمار القديم.