نينوى : محمد البغدادي
قدرت نسبة الدمار في محافظة نينوى بـ80 %, بعد خروجها من سيطرة عصابات "داعش" الإرهابية في سنة 2017, حين صوّت مجلس النواب آنذاك على أنها مدينة منكوبة، وبرغم إطلاق الوعود بإعمارها كمناطق محررة وخارجة من أتون حرب طاحنة, شهدت مشاريع الإعمار في المحافظة تلكؤاً في تنفيذها بحجج قلة التخصيصات في الموازنة العامة، وعراقيل واجهت "صندوق إعادة الإعمار" و"مؤتمر الكويت للمانحين 2017".
وكشف الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني، أحد المشاركين في "مؤتمر الكويت للمانحين" في حديث لـ"الصباح"، عن أنه "عندما ذهب وفد عراقي للكويت يوماً واحداً لبحث ترتيبات (مؤتمر الكويت) للدول المانحة لإعادة إعمار المناطق العراقية المحررة، وكان يعول على أن يمنح العراق (100 مليار دولار) غير قابلة للرد تذهب إلى (صندوق إعمار المناطق المحررة)، إضافة إلى تأمين عودة النازحين، كان مجموع المساعدات من منظمات المجتمع المدني الكويتية والعربية والأجنبية بحدود (1.5 مليار دولار فقط) لتقديم الدعم وإعادة الإعمار, لكنهم بالحقيقة وضعوا شروطاً لم تستطع الحكومة العراقية أن تنفذها، وهي بالتالي لم تستفد من الوعود التي أطلقت في (مؤتمر الكويت)، كما أن الحكومة لم تستفد من وعدين, الوعد التركي الذي كان بخمسة مليارات دولار والأميركي بثلاثة مليارات دولار، والحقيقة أنها ليست قروضا لإعادة الإعمار بل هي تخصيصات لدعم الصادرات لهذه الدول نفسها" .
وأضاف أن "الحكومة التركية قدمت خمسة مليارات لدعم صندوق الصادرات التركية للعراق، وكذلك الحال بشأن الثلاثة مليارات من الولايات المتحدة، التي هي أصلا تدخل في صندوق الصادرات الأميركية وتتمثل بالجانب العسكري للعراق"، موضحاً أن "السبب الأساسي في عدم الاستفادة من الوعود في (مؤتمر الكويت للمانحين) أنهم كانوا يشترطون بأنهم هم من يشرفون على تنفيذ المشاريع في المناطق المدمرة, ولم يرغبوا بأن تكون الحكومة العراقية طرفاً في الموضوع ولا في تنفيذ المشاريع، بل تكون المؤسسات والحكومات المانحة هي المتصرفة بالإعمار بحجة الفساد في الدولة العراقية" .
من جانبه، أكد الباحث في الشأن الاقتصادي الكويتي أنور رشيد في حديث مقتضب لـ"الصباح"، حين سألناه عن سبب فشل (مؤتمر المانحين في الكويت) الذي كان مخصصاً لإعمار المناطق المدمرة ولا سيما نينوى: "رأيي باختصار بهذا الملف بكلمة واحدة (الفساد من الجانبين الكويتي والعراقي)"، بحسب تعبيره.
بدوره، قال مستشار رئاسة مجلس النواب لشؤون الاقتصاد همام الشماع في حديثه لـ"الصباح": "نينوى مدمرة ولا تحتاج إلى دراسة جدوى، بل هي قضية أخلاقية وإنسانية وتفرضها القيم المجتمعية"، مستدركاً: "أما لماذا لم يتم إعمار الموصل، فالجواب بسيط؛ هو (الفساد ثم الفساد ثم الفساد)، أما عن تفاصيل هذا الفساد فأعتذر لأن جوابي غير شاف"، بحسب الشماع.
وتشكل صندوق المناطق المتضررة من العمليات الإرهابية وفق المادة 28 من قانون الموازنة لعام 2015 ويقوم بالتنسيق بين الدول المانحة والمقرضة ووزارات الدولة المختلفة، لتقوم بإعمار ما دمره الإرهاب في ست محافظات مهمة هي (نينوى والأنبار وصلاح الدين وكركوك وشمال بابل وديالى), وقال الخبير المهندس مدير (صندوق إعمار نينوى) سالم يحيى عثمان لـ"الصباح": إن "صندوق إعادة الإعمار ليست له علاقة بتعويض المواطنين".
وأوضح يحيى: "لقد باشر صندوق إعادة الإعمار في نينوى منذ عام 2016، حين لم تكن الموصل محررة بعد، وكان تركيزه على قضاء سنجار، وتم تنفيذ 10 مشاريع مختلفة في قطاع البلدية والماء والكهرباء وقطاعات أخرى، وكان عددها بكلفة تقريبية بنصف مليار دينار، ثم توالت الخطط التي يقوم بها صندوق الإعمار بإعمار محافظة نينوى، إذ زادت المشاريع في عام 2017 وبلغت 38 مشروعاً بكلفة 17 مليار دينار"، وأضاف، "لقد زاد عدد المشاريع وركز الصندوق على مشاريع أخرى منها الجامعات ومراكز الشرطة والطرق الخارجية، وفي عام 2018 تنوعت أيضا المشاريع لتشمل الصحة والتربية والتعليم العالي والتجارة, أما في عام 2019، فقد زاد عدد المشاريع إلى نحو 70 مشروعا بكلفة إجمالية 92 مليار دينار، وفي عام 2021 برغم خسارتنا في ترويج موازنة عام 2020، كانت المشاريع بحدود 30 مشروعا بكلفة تجاوزت 80 مليار دينار عراقي" .
وبين أن "مشاريع صندوق إعمار المناطق المتضررة تميز بعلاقته المباشرة بالمواطن، وبكون كل مشاريعنا كبيرة وستراتيجية وبكونها لم تركز فقط على مدينة الموصل بشطريها الأيمن والأيسر، بل شملت النواحي
والأقضية" .
وتابع يحيى أن " تمويل إعادة الإعمار من مصدرين رئيسين، هما المنح والقروض التي تقدم من دول العالم، وكذلك الشخصيات العالمية والمحلية، وهناك تخصيصات من قبل الحكومة الاتحادية لصندوق إعادة الإعمار متمثلة بالخطة الاستثمارية والتشغيلية، وتم التركيز من خلال الموازنة الاتحادية على الطرق والجسور، إذ تم تنفيذ أكثر من ستة جسور ستراتيجية، بالإضافة إلى الطرق في مختلف ميادين المحافظة سواء في الموصل أو خارجها، كما تم التركيز على قطاع الصحة، إذ لدينا الكثير من المراكز الصحية التي تم إعمارها" .
برغم كل ما سبق، فإن الظلم الذي وقع على نينوى جراء سيطرة "داعش" عليها منذ عام 2014 ولغاية 2017 وما تلاها من إرهاصات أمنية واقتصادية وبطالة بين صفوف مواطنيها وهجرة قسرية، كل ذلك شكل عناوين بارزة بأن نينوى حالة مستثناة في الهم العراقي العام وما زالت تعاني، وبحاجة إلى يد تمتلك القوة والقدرة على انتشالها من واقعها البائس.
تحرير: محمد الأنصاري