علي حمود الحسن
أطلق الفنان الرائد يوسف العاني لقب الفنانين "المنسيين" على صناع السينما، الذين يعملون في الكواليس ولم يسلط الضوء عليهم، حتى إن بعضهم لا يذكر اسمه في التتر التعريفي للفيلم، مثلما هو سائد تسويقياً، وعمل العاني بقدر ما يستطيع على توثيق إنجازاتهم، إذ أفرد لهم فصولاً في كتبه وذكرهم في مقالاته ولقاءاته، ولأن ذاكرتنا البصرية "تفرهدت" منذ تسعينيات القرن الماضي وبعد 2003، صار الحصول المعلومة المكتوبة والمرئية أقرب إلى المستحيل، على الرغم من الجهود القيمة للبعض من نقاد السينما وصناعها لتوثيق ما يمكن توثيقه، ومناسبة الكتابة عن ذلك صورة حاولت الحصول عليها للمونتير العراقي الأرمني شيراك سورين ابن أخ صانع السينما الكبير هاماز الذي اشترى مختبرات وأجهزة تحميض استوديو بغداد بعد مغادرة أصحابها آل {سودائي} وتصفية ممتلكاتهم، ولم أفلح لولا أن أسعفني المخرج الرائد قاسم حول بصورة له، وشيراك الذي عمل مع عمه في تحميض وتظهير معظم الأفلام العراقية، فضلاً عن تركيب الصوت الذي كان علة الأفلام العراقية، إلا أن حرفة شيراك ومقصه الذهبي أنتجا أفلاماً بأصوات جيدة النقاوة، والطريف إن هاماز كان يعمل حارساً في استوديو بغداد وتعلم أسرار التحميض وإدارة المختبرات من الفنيين الإنكليز، وبرع في ذلك إلى حد أنه لم يكن يستخدم مقياساً لمعرفة كثافة المحلول المثالي وتجانسه، إنما يطمس إصبعه فيه ويتذوقه، فإن أحس بالرضا، قال كلمته الأثيرة: "جامة" كناية عن نقاوة الفيلم ودقة وضوحه.
ولد شيراك سورين في الأنبار في العام 1943، وسحرته السينما منذ طفولته الأولى، بعد أن اختير لأداء شخصية أحد الأطفال في فيلم "عليا وعصام" الذي عرض في سينما روكسي في العام1949، وبعدها توجه للعمل في الاستوديو الصغير، الذي أسسه عمه قريباً من بغداد الجديدة واسماه "استوديو هاماز"، على الرغم من حصوله على شهادة التجارة والاقتصاد، إلا أنه احترف العمل بالمونتاج وأسهم في "منتجة" معظم الأفلام العراقية حتى العام 1970، وأشهرها: "الحارس "(1967)، و"الأهوار"(1976)، و"قطار الساعة 7"(1962)، و"أوراق الخريف"(1963)، وعمل شيراك في مؤسسة السينما والمسرح وأخرج لها أفلاماً وثائقية وروائية قصيرة، فضلاً عن "منتجة" الأفلام التي يخرجها الآخرون، ومن الأعمال التي أخرجها: "نداء من عونا"، و"حياة خضراء"، و"الإسكان الريفي"، و"اللعبة".
أنتج استوديو هاماز فيلم "أوراق الخريف"(1963 ) الذي صوره ومنتجه شيراك وأخرجه حكمت لبيب، عن قصة لإدمون صبري، وأسهم أصحابه بكل ما يملكون ولم يتقاضوا أجوراً، آملين نجاح الفيلم تسويقياً، ليستردوا أموالهم وأرباحهم، ولأنهم على قدر كبير من الاحتراف، استقدموا نجوماً محبوبين على شاكلة سليم البصري، ومورين وحمودي الحارثي، وراسم الجميلي، وتمادوا في التفاؤل حتى إنهم حجزوا صالة سينما النصر لأسبوعين، ودفعوا مبلغاً معتبراً مقدماً، لكن حسابات الحقل غير حسابات البيدر، إذ وقع انقلاب 1963 الدموي وعصفت طغمة القتلة ببغداد وأهلها "فضاعت الصاية والصرماية" مثلما يقول المثل الشعبي .