الاتفاقية الإيرانية الروسية إطلاقة تحذير للغرب

قضايا عربية ودولية 2022/02/23
...

 آراش توبشينجاد
ترجمة: أنيس الصفار                                           
 
في أول لقاء مباشر بينهما في 19 تموز 2022، أعرب الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي والروسي "فلاديمير بوتين" عن حرصهما على تمتين العلاقات الثنائية بين بلديهما. وانسجاماً مع هذا الموقف بين الرئيسين اعلن وزير النفط الإيراني أن طهران وموسكو قد قطعتا خطوات على طريق عقد اتفاقيات تجارية في قطاعات الطاقة والنقل والمصارف. بيد أن ابرز النتائج التي اسفرت عنها زيارة رئيسي لموسكو وأولاها بالملاحظة كانت تقديمه مسودة لاتفاقية تعاون أمدها عشرون عاماً بين إيران وروسيا. كانت الغاية من هذه الصفقة هو تجديد اتفاقية تعاون اقتصادية سابقة أبرمت في العام 2001 تتضمن تعزيز المبادرات بين طهران وموسكو في ميادين الأمن والنقل والتجارة. الاتفاقية الجديدة لا تزال مطروحة للتباحث وقد صرحت الحكومة الإيرانية بأن محتواها يجب أن يعلن أولاً ثم يقر من قبل البرلمان قبل المضي بها قدماً. 
اتفاقية العشرين عاماً هذه كانت قيد الدراسة منذ السنة الماضية، ورغم نجاح إيران في تحسس مدى اهتمام بوتين بالصفقة فإنها قد لا تظهر إلى حيز الوجود فعلياً في المستقبل القريب. إلى ذلك الحين تبقى الاتفاقية المرتقبة ذات قيمة لأنها تؤشر قناعات طهران وموسكو في مفاوضاتهما الجارية مع الغرب.
إيران وروسيا معاً تقفان اليوم على مفترق طرق في ما يتعلق بجيوستراتيجياتهما الإقليمية. ففي 8 شباط قفل الوفد الإيراني عائداً إلى فيينا لخوض الجولة الثامنة، وربما الأخيرة، من محادثات إحياء "خطة العمل الشاملة المشتركة"، وهي خطة انبثقت وسط أجواء من الارتياب المتبادل خلافاً لسائر الاتفاقيات المعهودة. لهذا السبب تسعى إيران بقوة للحصول على ضمانات بعدم عودة واشنطن إلى الإنقلاب على التزاماتها مثلما فعلت في العام 2018. علاوة على ذلك تبقى إيران مصرة على ضرورة رفع جميع العقوبات مقابل امتثالها نووياً، وهو مطلب يعتبره المسؤولون الأوروبيون مغالياً على ما يبدو.
من بين سائر الموقعين على الصفقة النووية تعد روسيا أكثر الأطراف البناءة إيجابية، بل يذهب البعض إلى وصفها بأنها "محامي" إيران والمدافع عنها خلال عملية إعادة التفاوض الجارية. تتواصل محادثات فيينا في تزامن مع دخول روسيا مفاوضاتها الخاصة مع الغرب عبر الرئيس الفرنسي "إيمانويل ماكرون"، حيث أنها مشتبكة الآن في موقف معقد بمواجهة حلف الناتو وأوكرانيا. هناك حالياً أكثر من 100 ألف جندي روسي يطبقون على الحدود الأوكرانية، وبوتين لا يفتأ يعبر عن قلقه بشأن ما يعتبره تجاوزات يمارسها حلف الناتو غير بعيد عن الخاصرة الغربية لروسيا. 
خلال الأيام المقبلة سوف يترك النهجان الدبلوماسيان الإيراني والروسي مع الولايات المتحدة والنظراء الأوروبيين آثارهما الجدية على آفاق خفض التوترات في اوروبا الشرقية والشرق الأوسط. بيد أن كلا البلدين يبقيان متمسكين بأقصى ما يمكن من مصالحهما الذاتية التي لا يريدان التفريط بشيء منها، واتفاقية العشرين عاماً قد تكون لها بصمات مهمة على هذه العملية.
تركز الحكومة الإيرانية على الترويج للمنافع الجمة التي ستجنى من الصفقة الإيرانية الروسية اقتصادياً وأمنياً، فروسيا تمثل حالياً 4 بالمئة من واردات إيران و 2 بالمئة من صادراتها، وفي عزم طهران أن ترفع حجم تجارتها معها إلى 25 مليار دولار. 
هذا الهدف قد يبدو مسرفاً بالتفاؤل، ففي العام 2007 كانت طهران تضع في منظورها أن تصل بتجارتها مع روسيا إلى مستوى 200 مليار دولار في غضون العقد المقبل، لكن حجم التجارة الثنائية بين الطرفين لم يتجاوز حتى ابان ذروته 3,5 مليار دولار خلال العام 2021، ولغرض المقارنة نذكر أن حجم التجارة السنوية الروسية مع تركيا يتراوح بين 20 ملياراً و25 مليار دولار. كانت العقوبات الأميركية هي العقبة الأساسية هنا لأنها قيدت آمال طهران التجارية وتطلعاتها كما عقّدت السبيل أمام الالتزامات بعيدة المدى من جانب شركائها التجاريين. 
بصرف النظر عن مصالحها التجارية المباشرة مع روسيا تسعى إيران ايضاً إلى ضمان التزامات حدودية اقتصادية متبادلة أوسع مع الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، وفي لقائهما وجهاً لوجه عبّر بوتين عن دعمه لرئيسي في إقامة منطقة للتجارة الحرة بين إيران والاتحاد الاقتصادي المذكور. يتطلع رئيسي إلى مثل هذه الاختراقات المالية بعين ملؤها الأمل وسط أجواء الشك المحيطة بتخفيف العقوبات.
بالإضافة إلى الإمكانيات الاقتصادية تتطلع ايران إلى اتفاقية العشرين عاماً باعتبارها منفذاً لتعزيز تعاونها الأمني مع روسيا وعقد صفقات تسليح جديدة. فبعد مشاركتها في تمارين بحرية ثلاثية الأطراف مع البحريتين الروسية والصينية في 21 كانون الثاني جنحت إيران إلى تكثيف التعاون العسكري لإبداء شكل من أشكال التضامن الدفاعي مع داعميها الأجانب، وتفيد بعض التقارير بأن طهران تسعى لشراء طائرات "سوخوي - 35" النفاثة روسية الصنع لتحديث قوتها الجوية، كما تبدي إدارة رئيسي اهتماماً بشراء منظومة الدفاع الصاروخية "أس-400". غير أن روسيا أحجمت عن تقديم عروض أو صفقات إلى إيران حتى الآن رغم انتهاء أجل عقوبات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في أواخر 2020، وهي العقوبات التي كانت تحظر على إيران استيراد الأسلحة. أحد الأسباب المحتملة للموقف الروسي هو أن طهران ربما لم تعد تملك الأموال المطلوبة لتغطية مثل هذه الصفقات، فمنذ انسحاب الرئيس السابق "دونالد ترامب" من اتفاقية العمل المشتركة تدنت احتياطيات إيران من العملات الأجنبية والذهب تدنياً كبيراً.
كانت إيران تخطط للحصول على أسلحة روسية بقيمة 10 مليارات دولار لكن وضعها المالي المتعسر جعل بعض المحللين يقتنعون بأن أي عقود دفاعية مع الكرملين قد لا تتخطى حدود ملياري دولار.  
اتفاقية التعاون المذكورة من شأنها تمكين إيران من الحصول على شروط مريحة في ما يخص قطاعي النفط والغاز مقابل تخفيضات كبيرة على الأسلحة الروسية، بيد أن ثمن مثل هذه الصفقات لن يبقى مقتصراً على الجانب المالي وحده لأن روسيا تحرص ايضاً على رعاية علاقاتها الوثيقة بخصوم إقليميين لإيران مثل إسرائيل والسعودية، أي أن بوتين لن يغامر بإقلاق توازن علاقاته مع أقوى القوى في الشرق الأوسط. الفوائد الأمنية المباشرة من عقد صفقة طويلة الأمد مع طهران لا يراها كل من في الكرملين.
آفاق اتفاقية العشرين عاماً لها في طهران ايضاً نصيبها من المؤيدين والمنتقدين، فالصفقة فيها شبه من اتفاقية التعاون لـ 25 عاماً مع بكين التي أصبحت عاملة مؤخراً. يؤيد البعض في إيران إبرام صفقة بين بلدهم وروسيا لأجل تنويع الجهات التي تعتمد عليها طهران تجارياً وعدم حصرها بالصين فقط، في حين يخشى المنتقدون أن تسفر الاتفاقية عن منح امتيازات لجهات خارجية تستدعي إلى الذاكرة تلك التي عقدتها الحكومة الروسية خلال فترة الحكم القاجاري. فشركتا "غازبروم" و"ترانسنفت" الروسيتان على سبيل المثال قد تمكنتا مؤخراً من كسب الحصة الأكبر في حقل "شالوس" الغازي المكتشف حديثاً في إيران. 
تقدر روسيا أن حقل الغاز هذا يمكن أن يوفر 52 بالمئة من احتياجات اوروبا للسنوات العشرين المقبلة، وهناك مؤسستان صينيتان سوف تحصلان على حصة 28 بالمئة من التجهيز، أما ما تبقى من انتاج الحقل الغازي فسيذهب إلى شركة "كيبكو" الإيرانية. لذا يعتقد بعض المنتقدين أن إيران ربما ستضحي بإمكانيات اقتصادية بعيدة الأمد لقاء متنفس مالي قصير الأجل.
يثير تعارض المصالح الجيوسياسية بين إيران وروسيا تساؤلات حول مدى التعزيز الذي ستقدمه اتفاقية العشرين عاماً لكل من البلدين في مجالات التعاون الأمني والاقتصادي والصناعي. لكن حتى لو كانت الفوائد الملموسة المتوقعة من الصفقة ضئيلة لكلا الجانبين فإن مجرد التوقعات والآمال المرتبطة بها ستمنح طهران وموسكو قوة الضغط السياسية التي يحتاجان إليها في مفاوضاتهما مع الغرب. العامل المشترك الذي يجمع بين هذين البلدين هو الحوار الجاري بين كل منهما والولايات المتحدة وحلفائها، فإذا ما تفاقم الموقف في اوكرانيا مثلاً قد يتخلى بوتين عن تحفظاته بشأن وضع يده بالكامل مع إيران للضغط على الولايات المتحدة وحلفائها في الناتو عبر جبهة جديدة. 
من المحتمل ايضاً أن يستخدم الكرملين تهديدات بيع السلاح إلى إيران كقوة ضغط سياسية في المفاوضات بشأن اوكرانيا. في هذه الحالة قد لا تسفر اتفاقية العشرين عاماً عن صفقة تسلح فعلية ولكن مجرد التلويح بهذا التهديد قد يصلح كورقة مساومة. إيران هي الأخرى تستطيع استخدام الاتفاقية للدلالة على أنها لن تتردد طرفة عين في اللجوء إلى ستراتيجيات بديلة إذا ما حاولت الولايات المتحدة الإبقاء على عقوباتها الاقتصادية. رئيسي لن ينتظر ليرى كيف ستحدد الاتفاقية النووية مسار ما تبقى من فترة رئاسته. من هذا المنطلق فإن الاحتمالات المستقبلية التي تنطوي عليها اتفاقية العشرين عاماً بين إيران وروسيا قد تكون مهمة للغرب أكثر من أهميتها لإيران أو روسيا نفسهما.            
عن مجلة «ذي ناشنال إنتريست}