القيامة الآن

العراق 2022/03/01
...

أحمد عبد الحسين
لم يُصدَم أحد باجتياح الجيش الروسيّ لأوكرانيا. ليس في الأمر مفاجأة. كان الرئيس الأميركي بايدن يحذّر كلَّ يوم تقريباً من أنَّ "غزو الروس لكييف بات قريباً"، ولكثرة ما كرّرها قال إعلاميّ أميركي مازحاً إنَّ بايدن سيضطر لغزو أوكرانيا بنفسه إن تأخر بوتين عن فعل ذلك.
كان الأمر برمته مشابهاً لأحداث رواية ماركيز "وقائع موت معلن" التي يسرد فيها حكاية شخص يعرف كلّ من حوله أنه سيقتل اليوم إلا هو، لم يكن يعرف، أو لم يكنْ يصدّق أنَّ الأمور ستصل بأعدائه حدّ قتله. فمع تغيير طفيف في السيناريو الماركيزي يكون الرئيس زيلينسكي بطل حكايتنا الذي جعلته ثقته بوعود حلفائه غير واثق من وعيد أعدائه، فكان ما كان.
احتلال الدول أو اجتياحها وغزوها، عمل ملحميّ لا يباشره إلا رجال شربوا بالكأس الكبيرة من خمر التاريخ فسكروا بعبارات من مثل ".. ثمّ احتل دولة أخرى وضمّها إلى امبراطوريته". جملة برقية قصيرة لكنها كافية لجعل رؤوس الملحميين تدور طرباً؛ بضع كلمات ساحرة لكنّها على الأرض دم وجثث وخراب وقتل متواصل لتقريب يوم القيامة.
ومهما كان الغازي مقتدراً والمغزوّ ضعيفاً فإنّ ما على الأرض يبطلُ ما في الملاحم؛ وإلا هل هناك فارق أكبر من فارق القوّة بين أميركا والصومال؟ على الأرض كانت القوات الأميركية تائهة ضعيفة أمام رجال بأسلحة خفيفة إلى أن تركوا مقديشو لأهلها.
ألم يكن بوتين يعرف بعواقب هذا "الغزو المعلن"؟ قبله ألم يكن صدام يعلم؟ الملحميون كلّهم يعلمون لكنْ لا سلطة للعقل على من أدمن على الشرب من خمرة التاريخ بجرعات كبيرة.
كان دكتاتور العراق لا يرى بعده إلا القيامة؛ وكان يتخيّل القيامة على هيئة سلاح كيمياويّ. غيره يتخيّل القيامة الآن على شكل زرّ أحمر صغير يسمونه الزرّ النووي.
لن تحدث القيامة غداً. لكنّ قيامات آلاف الضحايا قامتْ منذ خمسة أيام وإلى أمد غير معلوم.