مسؤولية الطبيب الجزائيَّة

الصفحة الاخيرة 2022/03/02
...

القاضي عماد عبد الله 
لا شكَّ في أن مهنة الطب مهنة إنسانية وأخلاقية وعلمية, وهي مهنة قديمة قدم الإنسان، وهذه المهنة تشترط في من يمارسها تقاليد ومواصفات توجب عليه أن يخدم الناس في جميع الظروف والأحوال، وأن يكون الطبيب قدوة حسنة في سلوكه ومعاملته مستقيما في عمله، مستهدفا المحافظة على أرواح الناس وأعراضهم، متحليا بالرحمة وأن يبذل قصارى جهده لخدمة المرضى، غير أن الإنسان هو في النهاية إنسان وكل إنسان له نزواته وسلبياته، ومن هنا ممكن أن ينزلق الطبيب في سلوكه الذي لا يتفق مع صحيح القانون.
 وحتى تقوم المسؤولية الجزائية للجاني لا بدَّ أن يثبت أنه ارتكب خطأ لأن الخطأ هو سبب قيام المسؤولية الجزائية واذا انعدم فلا يسأل الفاعل عن الفعل والخطأ، الذي هو الفعل المخالف للقانون، الذي فيه يقوم الجاني بمخالفة ما أمر به المشرع او ما نهى عنه، هو أما يكون عمديا او غير عمدي  ويتحقق الأول عندما يريد الفاعل  الفعل والنتيجة؛ أي يتوافر لديه القصد الجرمي في ارتكاب الفعل الذي جرمه القانون، كأن يتعمد الجاني ازهاق روح إنسان على قيد الحياة كأن يدسَّ له السم في الطعام أو يكون الخطأ غير عمدي ويتحقق ذلك عندما يريد الفعل فقط، دون ان يقصد النتيجة، ومثال على ذلك جرائم القتل الخطأ كأن يقوم أحد الأطباء بإجراء إحدى العمليات الجراحية لأحد المرضى فيتسبب 
بموته.
 والأصل أن الإنسان لا يساءل جنائياً عما يمكن أن يصيب الغير من فعل، وذلك استناداً إلى قاعدة شخصية العقوبة، حيث لا يجوز أن يعاقب إنسان إلا على ما اقترفه شخصياً من الجرائم، لذلك فإن الطبيب لا يُساءل جزائياً عن فعل يقوم به طبيب آخر أو مساعدة أو ممرض ضمن الفريق الطبي، فاذا كان الخطأ وقع من المساعد أو الممرض وحده بدون أي تدخل من الطبيب، فلا تترتب ثمة مسؤولية جنائية عليه، واذا وقع من كل منهما خطأ في دائرة اختصاصه فإن كل منهما يكون مسؤولاً عن 
النتيجة.
وتطبيقاً لذلك يعد الطبيب مسؤولاً عندما يترك للمريض أن يقوم بعمل هو من صميم اختصاصه أو دون ان يراقب تماماً كل ما يأمر بإجرائه من ذلك بواسطة مساعديه، وعلى ذلك يساءل الطبيب الذي يهمل التأكد من مطابقة تركيب الدواء للأصول المقررة، واذا كان هذا الدواء ساماً، وقد ترك تحضيره للممرضة فترتب على ذلك خطأ في التحضير ان توفى المريض، ويراد بالمسؤولية الجنائية هنا مخالفة واجب قانوني تتكفله قوانين العقوبات بنص خاص، ولا شك أن قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 اعتبر عمل الطبيب وإن كان ماساً بالجسم البشري سببا من أسباب الإباحة إلا انه أوجب في حالة ما إذا سلك الطبيب خطاً طبياً فيسأل عنه وجزائيا وحسب 
ظروف القضية.